منذ عشرٍ مضت غدت شعارات وبيانات ما يُطلق عليه بـ«حقوق الإنسان» وسيلة ابتزاز وأداة ضغط يستخدمها كل طرف وكل جهة مهم بالشكل وفي المناسبة وللوصول إلى الهدف بذريعة «الحقوق» وبالمتاجرة بالإنسان شعارًا أو قناعًا إن شئت. فبعد انكشاف كل وسائل الهيمنة والتوسع والسيطرة اخترعوا قناع «حقوق الإنسان» نهاية تسعينات القرن الماضي، وتم تعميد وتدشين المشروع رسميًا في الدوائر الغربية بحضور ومشاركة التنظيمات الراديكالية، وبدأت ظاهرة الابتزاز في التوسع إلى مديات وآفاق عديدة ونالت من بلدان كثيرة واستنزفتها تنديدًا وتشهيرًا باسم «حقوق الإنسان» التي غدت سلاحًا لعصابات ومافيات حقوق الإنسان التي تم توظيفها لخدمة أنظمة مختلفة تمول وتدفع وأيضًا تدافع باسم الحقوق والإنسان عن هذه العصابات. وفي هذا السياق والتوجه المشبوه، خرجت علينا في اليومين الماضيين الخارجية الأمريكية بتصريح غريب وعجيب تبدي فيه «قلقها» حسب تصريحها من محاكمة وسجن ناشطٍ سعودي داعشي الأفكار ومبشر بالدواعش على مدى أعوام ومروّج للأفكار الإرهابية والظلامية المضادة للمدنية والتمدن والتحديث. وإطلالة واحدة فقط على تغريداته في تويتر تكشف كم هو داعية داعشي بامتياز يُعلن ذلك صراحة ودون موارية، ويبشر بمجتمع القرون الوسطى مهاجمًا بعنف وبعبارات نابية جميع الافراد والكتاب والمثقفين الداعين للدولة المدنية والحداثة. ومنطقيًا فإن تعاطف الخارجية الأمريكية مع مبشر داعشي ليس انحيازًا لأفكاره ولا حتى لشخصه بقدر ما هو تصريح أبدى «قلقه» المزعوم والموهوم فقط لإزعاج الجهات المعنية في الشقيقة السعودية، وهو تصريح يأتي في سياق ركوب موجة ما يسمى بـ«حقوق الإنسان» للضغط والابتزاز السياسي بشعارات وصياغات وبيانات تضليلية تظهر خلاف ما تبطن من أهداف ومصالح جيّرت لها ظاهرة «حقوق الإنسان» وصولاً إلى تعزيز سطوتها وهيمنتها وفرض إرادتها. أوروبا نفسها التي شاركت في اللعبة ومازالت فضحت لعبتها، فعندما نستحضر تصريح رئيس الوزراء السابق كاميرون الذي قالها صريحة «لا تهددوني بشعارات حقوق الإنسان، فالأمن الوطني البريطاني أهم من كل شيء»!! فهل يتيحون لأنفسهم وبلدانهم ما يشهرون وما يؤاخذون وما ينددون بالدول الأخرى عليه؟! دولة القانون والمؤسسات جاءت أولاً لتحافظ على استقرار البلد وأمن المواطن والأمن القومي، و«حقوق الإنسان» متى ما مست ذلك فهي ليست حقوقهًا، ولكنها جزء من التمرد والخروج على القانون والمؤسسات والدستور. باستخدام شعارات وبيانات «حقوق الإنسان» سلاحًا للابتزاز والضغط المسيس وخدمة الأجندات ومصالح الجهات أفرغوا «حقوق الإنسان» من أهدافها الإنسانية وحشوها بأهداف ومصالح سياسية وبأجندات مشبوهة، وتحولت على أيديهم إلى سلاح ابتزاز رخيص ووسيلة ضغط مكشوفة. خسرت «حقوق الإنسان» أهدافها ومبادئها وأساساتها التي قامت عليها قبل عقود حين جيّروها وحوّلوها سلاح ابتزاز وتصفية حسابات وأوراق ضغط ووسيلة ضغط وأداة تشهير، وغدت منصاتها برسم البيع والشراء وتحولت منابرها إلى «ردح» مسيس بخطابات زاعقة يهذي من فوقها أمثال المدعو عبدالحميد دشتي الهارب من بلاده عن أحكام قضائية باتة صدرت بحقه، فهل هذا حقوق وهو يهرب من حقوق دولته عليه؟! مجرد مثال، فمن على شاكلته وأشباهه ذبحوا مبادئ حقوق الإنسان ثم قضت عليها نهائيًا دول وأنظمة وجهات ليست فوق مستوى الشبهات.
مشاركة :