عيسى الغساني نظرةُ الإنسان للعالم من حوله، وأفعاله، وردود أفعاله، تأتي مما يحصُل عليه ويراه أو يسمعه أو يستنتجه من معلومات وتصورات تنقلها إليه حواسع الخمس، ومحيطه الاجتماعي، وسعيه لاكتساب المعرفة. ولكنَّ السؤال الجوهري هنا هو: هل ما نراه أو نسمعه أو نتصوره يُشكل الحقيقة المجردة أم هو غير ذلك؟ تتعدَّد الإجابة عن هذا التساؤل بتعدُّد المقتربات الفكرية والعلمية. فعلم الإنثروبولوجيا (علم الإنسان) يرى أنَّ نظامَ تفكير الإنسان وما يتصوُّره هو نتاج المحيط الاجتماعي. فالإنسان ابن بيئته بقيودها الجغرافية والسلوكية والمعرفية. ونتاج هذا التفكير والتصور هو نسبي ولا يشكل الحقيقة المجردة وما هو إلا تصوُّر شخصي ونسبي. ومدرسة علم النفس ترى أنَّ ما تنقله الحواس عن العالم الخارجي، ليس سوى تصورات شخصية منبعها الخبرات السابقة، التي تكونت بمرور الوقت، وأصحبت حقائق ومعايير شخصية، يحكم ويقيس بها الإنسان كل ما يجري حوله. وأبسط مثال على ذلك -وفقا لأنصار مدرسة علم النفس- أنَّ اللون الأخضر للشجرة يتفاوت بين الصباح والمساء والليل، اعتمادًا على كمية الضوء الذي يصدر من الشجرة، ويصل إلى العين.. إذن، ما هو لون الشجرة الحقيقي؟ وتقول المدرسة العلمية -والتي تنظر إلى الإنسان والكون من الناحية العلمية، وأن القوانين العلمية كقوانين الفيزياء والكمياء والرياضيات هي المُنظِّمة لحركة الحياة، وأنها تعمل بنسق كلي أزلي، وليس للإنسان قُدرة على التاثير عليها، بل هو جزء منها، ويستطيع التناغم معها إنْ هو استوعبها، وإلا فإنها تفرض إيقاعها عليه قسرا. وبالتالي؛ فإنَّ ما تنقله الحواس ليس العالم الخارجي، بل العالم الداخلي وهو ليس حقيقة الأشياء. لكن إذا كان الواقع ليس كما نراه، فما هي حقيقة الأشياء؟ حقًّا ليس لديَّ الجُرأة العلمية والمعرفة؛ للإجابة عن هذا الطرح القديم قِدَم الإنسان، لكن ربما يكون تقييم طريقة تفكيرنا وتصورنا لما بداخلنا وما حولنا محاولة لرفع مستوى إدراك والفهم. واستيعاب نظرية المعرفة بشقيها حقيقة المعرفة والطريق إلى المعرفة مفتاح طريق.
مشاركة :