في كل مرة ألقاه.. أفرح به لأنه يمنحني هدية لي وللوطن.. أقول للوطن لأنه من الرجال القلائل الذين يريدون أن يكون الوطن في مقدمة أوطان العالم، فتراه يعتز بإيجابيات الوطن وإنجازاته، ويستاء حينما تصدمه سلبيات تشوه وجه الوطن، في وطن لديه الإمكانات الضخمة التي تؤهله في أن يكون في الصدارة من الركب في الوطن العربي، ودائماً يتنفس الآهات ولسانه يلهج ببيت المتنبي: ولم أر في عيوب الناس عيباً *** كنقص القادرين على التمام التقيته هذه المرة ببشاشة وجه وإشراق محيا فألقيت عليه التحية وردها بألم ظاهر في عباراته.. قلت: ويحك يا أخي أين كنت؟ وأين قضيت وقت هذه الغيبة الطويلة؟!! قال لقد سافرت سفراً قريباً كنت أنوي أن أقطع عزلة واعتكافاً دام سنوات. فقطعت تذكرة إلى جدة من الدمام قلت في نفسي: لعلي أمسح كآبة سنين مرت فتغيير المكان يؤذن بتغيير المزاج ويؤذن أيضاً بتغيير الحالة النفسية إلى الأفضل. وبالفعل حزمت أمتعتي وسرت قاصداً (مطار الدمام) الجديد جداً والذي لم أسافر منه مطلقاً منذ تأسيسه، لم أسافر منه لأنه كان في طريقه جسر للسيارات فهوى على عروشه وهو لم يكتمل بعد.. فمنذ ذلك اليوم وأنا أسافر من مطارات أخرى أمنحها من نفسي أكثر ثقة.. المهم أنني توقعت أن ينشرح صدري ويذوب بؤسي في خضم سعادتي كان الطريق قاحلاً أو ماحلاً أو مجدباً.. الخ.. من هذه المفردات المترادفة كما يقول معجم اللغة.. ولكني لم أفرِّط في متعتي بالصحراء برؤيتها وكثبانها المتحركة حتى اقتربنا من (مطار الدمام الجديد جداً) فما أن اقتربنا من تلك المؤسسة المبنية على أحدث طراز والجديدة جداً حتى فاجأتنا تلك الحشائش اليابسة ولا أقول الجافة والمتراكمة بكثافة على جانبي الطريق، والحمد لله أنني رأيتها في النهار، وعلى ضوء الشمس حتى لا أقول: إن أضواء الطريق وظلام الليل قد خدعاني بل رأيتها بوضوح فتصورت لو أن أحد عمال النظافة أو العمالة الأخرى جلس ليستريح من عناء العمل في ظل بعض أشجار الطريق وأشعل سيجارة وعند نهايتها تكاسل ورماها غير آبه ومشى فماذا سيحدث؟!! فثار في خاطري حل ليس منطقياً ولكنه قد يقي المطار وأهله من الخطر وهو: أن تُقلَع هذه الحشائش ويبقى الطريق دون حشائش أكثر أماناً من الحرائق. ودخلت المطار.. فحسبته مبنى مهجوراً لأسباب كثيرة لا داعي لذكرها، ولكن -والحق يقال- الخدمات للركاب على أعلى مستواها ولكن يبقى شيء مهم وهو عدم تنوع في المطاعم.. أما مطار جدة فهو المطار المثالي والسياحي والمحلي المهم.. غير أني تساءلت كثيراً عن وجود هذه النخيلات العربيات الشامخات: لماذا لا تشذب هذه الساريات الفارعات؟ ولماذا لا تُزين هذه العرائس ذوات الأصول النقية والعروق الأصيلة، فالناظر إليها كمن ينظر إلى عجوز لم يرَ الصابون منذ قرن ولم يمر المشط أو الموس على شعيراته. وجدت أحسائي في المطار يجفف دموعه بمناديل فدفعني الفضول إلى أن أجلس بجانبه وأسأله عن دموعه السائلة هذه -وكان كبيراً في السن- فأجابني قائلاً: أبكي من منظر هذه النخيلات لماذا لا تكون بهجة للعين قرة للنظر؟.. إنها قابعة في هذه الطريق كمتسولين خائفين.. ثيابهم ممزقة وشعورهم طويلة وأجسادهم قذرة ليس حال النخلة في الشرق من الجزيرة العربية مقززاً هكذا ليس إكرام أمنا النخلة بهذا الإهمال.. إنها صاحبة فضل على العرب منذ القدم.. قال عنها شوقي رحمه الله: طعام الفقير وحلوى الغني وزاد المسافر والمغترب. إنها الحقيقة الغائبة.. والمهمة التي يُتَغاضى عنها. فيا أيها المسئولون عن مطاراتنا ستظهر وطنتيكم في هذه الأشياء البسيطة في المطارات وستحمدون عليها.. أما عملكم المناط بكم فهذا واجب عليكم وقد قيل (لا شكر على واجب) وشكراً لكم إن قرأتم مقالي هذا.. وأجبتم عملياً.
مشاركة :