نهاد الحديثي العراق بكل مدنه وقراه، لا يختلف حاله عن البلدان الإسلامية في استقبال شهر رمضان الفضيل، لكن الشعب العراقي الذي بدا يستعيد روتين يومه بعد أن تخلص من تبعات الفترة العصيبة التي مكث فيها «تنظيم داعش الإرهابي»، ما زال وثيق الصلة بعاداته وتقاليده العريقة الممتدة إلى آلاف السنين، كيف لا؟، وهو من أصل الحضارة العراقيون يستعدون لرمضان بتكديس المواد التموينية في بيوتهم، ، فتعودنا على شراء احتياجاتنا بكميات كبيرة، حتى لا تخلو البيوت من مستلزمات الحياة، السوق، مكانا مناسبا يوفر احتياجاتهم بأسعار معقولة. طقوس لا بد منها لا تغفل العائلات العراقية، مسألة التنوع في الوجبات على مائدتي الإفطار والسحور، فيمكن بسهولة شديدة ملاحظة، وجود أكثر من نوع طعام على نفس المائدة، ولا يستغنى يوميا عن وجود شوربة حساء العدس واللبن البارد والتمر والبرياني والمقلوبة ومرقة الباميا والدليمية والدولمة والكبة الحلبية بشكل دائم. ومن بين العادات الرمضانية والطقوس التي لا يتم تجاهلها، تبادل الأكلات بين الأهل والجيران، حيث تقوم كل عائلة بإرسال طبق معين من الأكلات إلى جيرانها. والشيء المميز في العراق أن غالبية الناس يلتزمون بشعائر شهر رمضان من صيام وصلاة وقراءة للقرآن، أما المساجد فتمتلئ بالمصلين من مختلف الفئات العمرية الذين يؤدون صلاة التراويح والكبار بعد الانتهاء من صلاة التراويح، يذهبون إلى لعبة المحيبس المعروفة في العراق التي تستمر حتى الفجر، ويدفع الفريق الخاسر كلفة صواني الحلويات التي توزع على الفريقين والمشاهدين، وعادة ما ترافق اللعبة مجموعة من الاهازيج والأغاني التراثية اجتماع الأسرة أهم ما يميز رمضان والوجبات الشعبية والدسمة التي كانت تزيّن مائدة العائلة العراقية تقاليد لا تزال سارية في جنوب العراق وشماله الكردي في إقليم كردستان. أما في بغداد، فالعائلات تميل إلى الإفطار خارج المنازل، وأدرجت المطاعم طقوساً خاصة بالإفطار شبيهة إلى حد كبير بطريقة الإفطار في المنازل، إذ تبدأ بتوزيع التمر واللبن والحساء على الموائد قبل موعد الإفطار بـ15 دقيقة، وتفتح قاعة خاصة للصائمين ليؤدّوا الصلاة بعد وجبتهم الخفيفة،إلا ان طقوس رمضان – ربما- تغيرت في العراق بتغير الزمن لكن العادات مستمرة كـتوزيع الطعام على بعض الجيران المقربين، ولعبة المحبيس الشهيرة، وغيرها من العادات التي تعتبر شيء مهم من شهر رمضان، لكن هناك بعض التقاليد التي اندثرت معالمها وسط هذه التطورات التي طرأت على المجتمع العراقي في السنوات الاخيرة من وسائل الاعلام واجتياح الشبكة العنكوبتية، واصبحت في غياهب الماضي، ولكن "الماجينا" ظلت تتردد على ألسنة الكبار قبل الصغار كـاستذكار لطقوس وليالي رمضان ولعبت كورونااللعينة دورها السلبي , وامتدت تأثيرات الوقاية من فيروس كورونا في العراق إلى إلغاء تقاليد رمضانية كانت متبعة منذ عقود، وتحديد عادات اجتماعية متوارثة لم يتركها العراقيون في ظل أصعب ظروف مرت بها البلاد سابقا, فالخوف من تفشي فيروس كورونا والإجراءات الحكومية المتخذة للوقاية منه كفرض حظر التجوال الجزئي، ومنع التجمعات، وإغلاق المساجد، أثرت بشكل مباشر وأدت لإلغاء تقاليد متبعة كانت تعتبر هوية لشهر رمضان في طول البلاد وعرضها,, الذهاب إلى المسجد هو من أبرز العبادات التي اعتدت عليها منذ صغري. لم أتخلف عن الصلاة في المسجد خلال شهر رمضان إلا هذا العام بسبب جائحة كورونا، وهذا شيء مؤسف جدا, فقدنا عادات جميلة في شهر رمضان الحالي،غالبية النساء يستمتعن بالتسوق بشكل يومي قبل الإفطار، أما الآن فهذه العادة أصبحت ملغاة، الجميع خائف من الإصابة بالفيروس وخصوصا كبار السن- كذلك من المتوقع أن تتأثر الأجواء الرمضانية التي اعتادت عليها العائلة العراقية بشدة هذا العام نتيجة فرض الحجر الصحي الذي يشمل منع التجول في أماسي رمضان التي تعد الوقت الأمثل لخروج العوائل للترفيه والتسوق وزيارة المولات والمراكز التجارية، وما يصاحب ذلك من تجمع الشباب في المقاهي والمتنزهات التي تشهد ممارسة الألعاب الفلكلورية مثل "المحيبس"، كل ذلك سيكون ممنوعاً وبأوامر من الجهات الحكومية هذه السنة كل ما يمكن أن يقال قد قيل في مسألة ضرورة الالتزام بالكمامات والتباعد الاجتماعي والتعقيم والالتزام بالعدد المحدد في التجمعات، فرحة دخول شهر رمضان المبارك سيكون لها طعم مختلف هذا العام إذا مانجحنا في الهبوط الجدي بمعدلات الإصابة بكورونا. ولعل المعايدة التقليدية التي تردد في هذه المناسبة تحمل معنى أعمق: كل عام وأنتم بخير
مشاركة :