لقد كانت مملكة البحرين رائدة وسباقة في التعليم في مجال الضيافة، حيث شرعت بتأسيس وإنشاء معهد تعليمي للضيافة يقوم بتأهيل المواطنين من ناحية ويخدم القطاع من ناحية أخرى منذ 1974، وذلك بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وكان أول معهد متخصص بالتدريب في قطاع الضيافة في المنطقة. والآن تفتقد البحرين لمعهد متخصص في إدارة الضيافة بعد إغلاق آخر معهد متخصص في مارس 2020 من قبل ملاكه. مقترح إنشاء معهد متطور لإدارة الضيافة من أجل إنشاء معهد متطور في إدارة الضيافة، رفع المجلس النوعي للتدريب في قطاع الضيافة مقترحًا عام 2012 إلى المجلس الأعلى للتدريب المهني (قبل أن يتم حل المجلس الأعلى للتدريب المهني والمجالس النوعية في أكتوبر 2015) بضرورة إنشاء معهد متطور للضيافة، وذلك من خلال التعاقد مع إحدى معاهد الضيافة العالميـة. وكانت هناك وجهات نظر حول أفضلية إدارة معهد الضيافة، هل يدار من قبل القطاع العام أو شراكة مع القطاع الخاص؟ وقد تقرّر في الإجتماع عمل دراسة جدوى حول هذا المشروع، وأن تطرح مناقصة لاختيار بيت خبرة للقيام بهذه الدراسة. وتم اختيار KPMG للقيام بها، وقد توصلت المؤسسة إلى أفضلية أن يكون المشروع شراكةً بين القطاع العام والقطاع الخاص. ونتيجة لحل المجلس الأعلى للتدريب المهني والمجالس النوعية في أكتوبر 2015، تحوّل المشروع إلى وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، ممثلةً في هيئة البحرين للسياحة والمعارض، وقد اجتمعت مع المسؤولين بالوزارة والهيئة بصورة شخصية، كذلك اجتمعت مع مستشار السياحة السابق بالهيئة، حيث سألته عن معاهد الضيافة التي تواصلوا معها، وأخبرني أنهم قاموا بالتواصل مع بعض المعاهد الأجنبية المعروفة في مجال الضيافة. وقد بيّن لي أن كلية فاتيل الفرنسية هي المرشحة لأنها تقدم مؤهل البكالريوس. وقد أخبرته أن هذه الكلية معروفة ولكن المنهج يركز على إدارة الأعمال بالدرجة الأولى وليس المواد الرئيسة للضيافة، وأن طبيعة القطاع واحتياجاته يتطلب وجود أشخاص يملكون مؤهلات احترافية في هذا المجال، لذلك فإن وجود معهد احترافي للضيافة أصبح ضرورة. علمًا بأن معاهد الضيافة ضمن مناهجها تقدم مواد إدارية كالحسابات والمبيعات والتسويق والمالية وإدارة الموارد البشرية وتقنية المعلومات، بجانب مواد الضيافة الرئيسة. الحاصل أنه كان مقتنع بهذه الكلية. وتم افتتاح كلية فاتيل الفرنسية في أكتوبر 2018، بهدف تخريج طلاب متخصصين أساسًا في إدارة الأعمال، ولا تدرس بالكلية المواد الرئيسة في مجال الضيافة كالمطبخ والمطعم والمكاتب الأمامية، وتدبير الغرف ولا المرافق الخاصة بها، إذ يتم إرسال الطلاب للتدريب في الفنادق. ومنهج الدراسة يمتد لأربع سنوات ويتم تدريس المواد الدراسية أسبوع في المعهد والأسبوع التالي يتم توزيع الطلاب على الفنادق. وأضاف المسؤولون في هيئة السياحة والكلية أن الخريجين سوف يشغلون مناصب إدارية في قطاع الضيافة كقسم الحسابات والمبيعات والتسويق والموارد البشرية وتقنية المعلومات، ونشر هذا التصريح في الجرايد. إن ما يثير الإستغراب هنا لماذا نتعاقد مع كلية تخرج طلاب في تخصصات إدارية، التي ذكرناها أعلاه، في الوقت الذي نجد أن هناك أعدادًا كبيرة من الطلاب البحرينيين الذين يتخرجون من جامعاتنا المحلية والأجنبية بالخارج في تخصصات المحاسبة والمبيعات والتسويق والموارد البشرية وتقنية المعلومات؟ والعقل والمنطق يحتمان علينا الاستفادة من هؤلاء الخريجين بتوظيفهم في قطاع الضيافة، على أن يتم إعداد برنامج تدريبي لهم داخل مؤسسات الضيافة في الدوائر والأقسام المرتبطة والمتعلقة بتخصصاتهم. مشروع تأهيل الخريجين الجامعيين: وبهذا الخصوص، أود أن أبيّن للمسؤولين عن قطاع السياحة والضيافة ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية مشروعًا تقدمت به عام 1991 عندما كنت مديرًا للمجلس النوعي للتدريب في قطاع الضيافة، لعل وعسى يستفيدون منه، من أجل تشجيع الخريجين الجامعيين الحاصلين على شهادة البكالوريوس والماجستير للعمل بالقطاع الفندقي وتوفير فرص العمل لهم، فقد أعد المجلس النوعي برنامجًا تدريبيًا لتأهيلهم للعمل ببعض الوظائف الفندقية التي تتماشى ومؤهلاتهم الأكاديمية. وقد عرضت هذا المشروع على عبدالرحمن مرشد، رئيس المجلس النوعي والرئيس التنفيذي لشركة الفنادق الوطنية، وقد قام بدعم هذا المشروع وشجع على تنفيذه. وقد تم عقد عدة اجتماعات مع المديرين العامين لفنادق الخمس نجوم؛ لأخذ رأيهم حول هذا المشروع، وقد تمت الموافقة عليه. لقد قام المجلس باختيار دائرتين مهمتين بالفنادق، إذ لا تحتاجان إلى مهارات فندقية فنية مثل دائرتي المطبخ وخدمة المأكولات والمشروبات، وهاتـان الدائرتـان هما الحسابات والهندسة الكهربائية والميكانيكية. إن الهدف من هذا البرنامج التدريبي هو إيصال هؤلاء الخريجين إلى مناصب متقدمة بهاتين الدائرتين كمساعد مدير الحسابات أو مدير الحسابات أو كمساعد لرئيس المهندسين أو رئيس المهندسين بالمستقبل. وعليه فقد أعد المجلس برنامجًا تدريبيًا شاملاً بالتنسيق مع الفنادق بحيث يغطي جميع الاحتياجات التدريبية اللازمة لتأهيلهم، ويمتد هذا البرنامج إلى أربع سنوات بالنسبة للحسابات وثلاث سنوات بالنسبة للهندسة. ويعتمد وصول المتدرب إلى المناصب العليا على مدى ما يحققه من تقدم وأداء متميز خلال فترة التدريب. ويقوم المجلس بكفالة المتدربين بدائرة الحسابات لمدة 4 سنوات حيث يتحمل المجلس 75% من الراتب في السنتين الأوليتين والفنادق 25%. وفي السنة الثالثة والرابعة 75% من الراتب تتحملها الفنادق و25% المجلس. وللعلم فإن الحد الأدنى للراتب الأساسي للخريج عند توظيفه كان لا يقل عن 400 دينار. وللعلم فإن ميزانية المجلس النوعي للتدريب في قطاع الضيافة تموّل من قبل مؤسسات قطاع الضيافة من خلال رسوم التدريب التي تدفعها. مما تقدم، أود أن أرفع بعض التوصيات إلى الجهات المسؤولة: 1- بالإمكان أن تقوم وزارة العمل والتنمية الإجتماعية وصندوق العمل (تمكين)، من خلال البرنامج الوطني للتوظيف الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء، بالتنسيق مع قطاع الضيافة لتوظيف الخريجين المتخصصين في المحاسبة والموارد البشرية والمبيعات والتسويق وتقنية المعلومات، من خلال إعداد برنامج تدريبي لتأهيلهم وهم على رأس العمل. 2- ضرورة إنشاء معهد للضيافة والسياحة مرتبط بأحد المعاهد العالمية المتخصصة في هذا المجال، إذ إننا الآن نفتقد إلى هذا المرفق الذي كانت مملكة البحرين سباقة في إنشائه. وهو الذي كنا نهدف إليه عندما تم إجراء دراسة الجدوى من قبل KPMG. وللعلم فإن المؤهلات المهنية الإحترافية في بعض التخصصات والقطاعات أهم من المؤهلات الأكاديمية. إن مثل هذا المرفق سيسهم حتمًا بدعم القطاع بالعمالة المؤهلة وسيؤدي إلى رفع نسبة البحرنة به. وللعلم فإن أعلى نسبة بحرنة في قطاع الفنادق وصلنا إليها بلغت 33% عام 2001، وفي عام 2015 بلغت نسبة البحرنة 16%. وبعد حل المجلس النوعي توقفت عن عمل المسوح والإحصاءات، وأول مسح عملته عام 1983 وكانت نسبة البحرنة 9%. 3- من المتعارف عليه عند طرح أي مشروع، سواء كان إنتاجيًا أو خدميًا أو أكاديميًا، دراسة جميع العوامل المتعلقة والمرتبطة بهذا المشروع من أجل الوقوف على فرص نجاحه من عدمه، خاصةً إذا كان هذا المشروع مطروح من قبل جهة حكومية، ما يعني أنه مال عام، ما يستوجب حرصًا وإلمامًا أكبر بجدوى هذا المشروع والهدف من إنشائه قبل اتخاذ القرار بالشروع به. لذلك فإن استشارة ذوي الاختصاص الذين يملكون الخبرة العملية والمؤهل العلمي يعتبر عنصرًا مهمًا لضمان نجاح المشروع. إنني لا أريد أن أتوسع أكثر حول هذا الموضوع، ولكن لدي ملاحظة أود أن أوجهها إلى القائمين على هيئة البحرين للسياحة والمعارض، أن يحرصوا على قراءة ما يكتب في الكتيبات التعريفية، خاصةً للمشاريع التي تقع تحت إشرافهم، فقد ورد في كتيب كلية فاتيل الفرنسية فرع البحرين باللغة الإنجليزية على صفحتهم الإلكترونية تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي، وأتمنى أن يتداركوا هذا الأمر لأنه مازال موجودًا!! علي محمد صليبيخ
مشاركة :