قالَ اللهُ في الحدِيثِ القُدسيِّ المتّفَقِ عليهِ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِه). لا تُوجَدُ لفظةٌ يُمكنُ أن تُعبِّر عَن مَكانةٍ أَعلى مِن اختِصَاصِ اللهِ الصَّومَ مِن بينِ الأعْمالِ بإضَافتِهِ إلى ذَاتِه العَليةَ إضافةَ تَشريفٍ، وفي هَذا مَزيَّةٌ عَظيمةٌ ليستْ لغَيرِهِ منَ الأعمالِ، بلْ وتَكَفَّلَ بجزائها، فَما أعظمَهَا مِن مَكانةٍ، ومَا أجلَّهُ من فَضلٍ، ومَا أعلاهَا من منزلةٍ. وليزولَ ذلكَ الاستغْرابُ من أذهانِ النّاسِ.. لماذَا أضَافَ اللهُ الصومَ إلى نفْسِه العَظيمةِ؟؟ يذكرُ اللهُ سببَ تفضِيلِه لهذهِ العبادةِ بقولِه: (يَدَعُ شهوتَه وطعامَه مِن أجْلي) فيَصبرُ عن محبوباتِه منَ الشّهواتِ ليكونَ ممنْ قالَ اللهُ فِيهم (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). عَن أبي أمَامَة البَاهِليِّ رضي الله عنه قال: أتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: مُرني بَعملٍ يُدخِلنِي الجَنّة، قَال: (عَلَيْكَ بِالصَّومِ، فَإِنَّهُ لا عِدْلَ لَه)، ثم أتيتُهُ الثَّانيةَ، فقَال: (عَلَيْكَ بِالصِيَامِ) رواه أحمد والنَّسائي، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حجر. وردَ في لطائِفِ المعَارفِ عنِ الحسَنِ رحمه الله قَولُه:«تَقولُ الحَورَاءُ لوليّ اللهِ وهو مُتكِئٌ مَعها عَلى نَهرِ العَسلِ تُعاطِيهِ الكأسَ: «إنّ اللهَ نَظرَ إليكَ في يومٍ صَائفٍ بَعيدَ ما بينَ الطّرفَينِ وأنتَ في ظَمأِ هَاجِرةٍ مِن جَهدِ العَطشِ فَباهَى بِكَ الملائِكةَ وقالَ: (انظُرُوا إِلى عَبدِي تَركَ زَوجَتَهُ وشَهوتَهُ ولذَتَهُ وطعامَهُ وشرابَهُ من أَجْلي رغبةً فيمَا عِندِي اشهَدُوا أَني قَد غَفرتُ لهُ) فغفرَ لكَ يومَئذٍ وزَوجَنِيك». أخرجه ابن أبي الدنيا في الجوع، وهو مرسل. ذُكرَ في شعبِ الإيمانِ: عن عُبيدِ اللهِ بن محمّدِ التَّيمي - قال «حَدثَني بعضُ أشيَاخِنَا أنّ رَجلًا من عَامّةِ هذِه الأمّةِ حضَرتهُ الوفَاةُ فجزِعَ جَزعًا شدِيداً وبَكَى بكاءً كَثيرًا، فقِيل لَه في ذلكَ فَقال: ما أبكِي إلَّا عَلى أنْ يَصُومَ الصَّائِمونَ للهِ ولستُ فيهمْ، ويُصلي المُصلُّون ولستُ فِيهم، ويَذكرَه الذَّاكِرونَ ولستُ فِيهم، فَذاكَ الذِي أبكَاني». أرأيتُم كيفَ اشتِياقُهم لفِعلِ الطَّاعَاتِ، وتهَافتُهم لعَملِ الخَيرَاتِ، لقد فَارقُوا الملذاتِ، وهَجَروا المبَاحاتِ، ومَا حصلَ مِنهْم ذَلكَ إِلّا لأنّهم ذاقُوا طعمَ الإيمَان، فَبكُوا لفِراقِ الحياةِ، لا حُبًا فيهَا، ولكِن لفَواتِ تِلكَ الأعمَالِ، فلا إله إلّا الله، من لَم يَدخُل جنَّةَ الدُّنيا لَم يَدخُل جنَّةَ الآخِرَة. يقولُ بعضُ الصالحين: «إنّهُ ليمُر بالقَلبِ أوقَــاتٌ أقول: إِن كَانَ أهلُ الجنةِ في مثلِ هَذا، إنَّهم لفِي عيشٍ طَيّب». ويقولُ بعضُ المُحبينَ: «مساكينُ أهلُ الدُّنيا خَرجُوا من الدُّنيا وما ذاقُوا أطيبَ ما فيهَا، قالوا: وما أطيبُ ما فيهَا؟؛ قال: محبةُ الله والأنسُ به، والشَّوقُ إلى لقائِه، والإقبالُ عَليهِ، والإِعراضُ عمَّا سِواه».
مشاركة :