أجزم بأن أكثر العبارات تداولاً في نقاشات الشارع العربي من المحيط إلى الخليج هي عبارة “الديموقراطية،” فبمجرد أن يسمع المواطن العربي عبارة “ديموقراطية” يسافر به خياله إلى عوالم ليست على أرض الواقع، وإنما هي عوالم افتراضية شكلتها شعارات زائفة ورسختها في الأذهان . الديموقراطية منذ أن بزع فجرها في بلاد الإغريق، وهي في تشكل وتطور مستمر إلا أنها حافظت على جوهرها الأساسي القائم على حكم الأغلبية وتهميش الأقليات مهما علت قدراتهم وإمكاناتهم، ولهذا السبب وصفها الفيلسوف الأشهر أفلاطون بـ “سفينة الحمقى” . الحق أن الديموقراطية من حيث المبدأ هي فكرة “طوباوية” جانحة في أبعادها إلى فضاءات شاسعة من المثل والقيم البراقة، بيد أن الواقع يقول أنها رغم ما تكفله من حقوق وامتيازات في بعض البلدان، إلا أنها لا تراعي الفروقات الفردية بين البشر ولا تضع في حسبانها أنه قد يتولى دفة قيادة سفينتها أحد الحمقى من اللذين أتت بهم صناديق الاقتراع بفضل براعتهم الخطابية أمام الحشود المغيبة عن كثير من تفاصيل اللعبة السياسية في بلدانهم . صحيح أن المواطن الغربي لديه الكثير من الحقوق التي كفلتها له الديموقراطية إلا أنه سئم من كثرة الاحتجاجات والمظاهرات التي أدت في بعض الأحيان إلى أن يفقد حياته وهو يردد شعارات الديموقراطية الزائفة . كم هو جميل أن تمارس النقد بصورة حضارية دون خوف من الاعتقال والتحقيق، لكن الأجمل أن تقتنع بأهليتك وأنت تمارس ذلك النقد عن علم ودراية بما يدور من حولك، وأن تكون موقناً تمام الإيقان أن التبعية العمياء ستحول ديموقراطيتك إلى مجرد شعار من دخان كما وصفها آرنولد توينبي . أتذكر جيداً ذلك التعليق الذي وجهه شاب إسباني لرئيس البرلمان الأوروبي بعد انتهاء محاضرته التي حملت عنوان “الديموقراطية في خطر” بعد أن حذر من عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات التي تجرى في دول الاتحاد الأوروبي، حيث قال له أن العزوف الذي تحذرنا منه هو احتجاج على مساوئ الديموقراطية التي رفعت من معدلات الفساد والبطالة وجعلت الأغبياء يتحكمون في مصيرنا لأنهم بكل بساطة كانوا الأغلبية، وهو الشرط الوحيد للفوز بالانتخابات، حقاً إنها سفينة الحمقى ! رأي : عيد الظفيري e.aldhafeeri@saudiopinion.org
مشاركة :