الشاعرة والإعلامية ماجدة داغر، تكتب القصيدة المصقولة باللغة والأفكار المفتوحة، تختزل الكلمة الشعرية بومضة تأخذ شكل الصورة وطريق المعنى كيفما كانت تعرجاته وانحداراته، منذ كتابها الأول وهي تبوح بما يجيش في حياتها وأيامها ومحيطها، ولم تكن القصيدة سوى وسيلة وضرورة لتدوين هذا البوح المقرون بوعي الذات وحدود حضورها. في كتابها الأخير، جوازاً تقديره هو، تواصل الشاعرة هذا البوح. تتحدث داغر عن تجربتها وعن شعرها قائلة: نحن نقول في القصيدة ما يتعذّر علينا قوله في التخاطب الكلامي أو حتى في الكتابة النثرية. لذلك أنا أعتبر أن الشعر يؤدّي هذا الدور، حين نكتب عن أنفسنا أو عن حالاتنا أو عن كل ما يدور حولنا، تسقط الأقنعة ،وينكشف الحجاب عن كل ما هو غير مرئي في شخصيتنا، الشاعر هو انعكاس ذاته وبيئته وكونه الصغير، وصولاً إلى حلمه بالوصل والاتحاد بالكون الكبير، وهنا يكمن هدف الشاعر وخريطة أحلامه: تفكيك هذا الكون وما وراءه وتجريد الهواجس والقلق والأسئلة الوجودية والعاطفية والإنسانية، بحثاً عن الاتحاد الكلّي بغير المنظور وغير المحسوس. القصيدة كائن حيّ أكثر حضوراً من الكائنات الأخرى التي نعرفها، الشعر حاضر في أقصى ركن فينا وفي أقربه، أنا لا أفعل شيئاً سوى مناداته واستحضاره وهو يلبّي، لأنه الخليل والنديم والرفيق الدائم، بل أكثر من ذلك هو أنا الأخرى المنتظرة عند حافة السقوط. * أين تصنفين قصيدتك في خريطة الشعر المعاصر والحديث؟. - أنا مع الحداثة وفي صميمها، ليس فقط على المستوى الشعري إنما في الحياة عامةً، يبقى الشعر غير قابل للحياة وللديمومة إذا لم يكن في قلب الحداثة. الشعر هو ابن زمنه ،لذلك لا يمكن ألا يكون حديثاً اليوم، بغض النظر عن تعريف الحداثة وتوصيفها، الحداثة لا تقتصر على زمن معين أو مقاييس معينة، بل هي أسلوب حياة وكتابة يتماهى مع عصره من دون تنظير ونظريات في الحداثة، الشاعر الحقيقي هو شاعر محدث يلتقط نبض عصره مع الحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي والوجداني. * لمن تكتبين، خصوصاً أن قصيدتك توحي بدلالات كثيرة ومتنوعة، تبدأ من الذات وتمر بالآخر ولا تستقر في متاهة الحياة؟ - الذاتية هي من سمات الشاعر، من دون الوقوع في الشخصانية والنرجسية، من الطبيعي أن تكون الذات ممرّ القصيدة الإلزامي ومنها تنطلق نحو الآخر فالمطلق، لذا أكتب للفكرة وللحلم ومنهما للإنسان وتجلياته. * إلى أي مدى ساعدك الفكر أو الفلسفة على تعميق غموض القصيدة لديك؟ - الفكر يساعد على جلاء الغموض لا على تعميقه. فكر الآباء في الأدب والشعر والفلسفة والفكر والعلم، هو زادي ومخزوني الذي استمدّ منه رؤيتي في الكون والقصيدة لكي تبقى في أبهى تجلياتها ونورها، لا غموض في القصيدة بل ظلال أتفيّأها وأستكين إلى مجازها إلى حين انقشاع الرؤيا. أما الفلسفة فهي ركيزة الفكر البشري منذ سقراط وحتى عصرنا مع هايدغر وسارتر وداريدا وباشلار وغيرهم كثر. * الآخر وأقصد الرجل في قصيدتك، يبدو مقبولاً حين تريدين فقط؟ - بالطبع حين أريد أنا، لأنه من يجعلني أراه جميلاً أو قبيحاً. الرجل وجوده نسبي في القصيدة. يبدو أحياناً ظلالاً ليس إلا، وأحياناً أخرى ربما يكون شبحاً غير مرئي، وفي معظم الأحيان يستولد وجوده من خلال وجودي، تحررت منذ زمن من عقدة حضور الرجل في القصيدة، صار الشعر عندي أعمق وأبعد من مجرد عاطفة، حلّ مكانه الوجع الإنساني وبالتالي القضية الكبرى: الإنسان. الرجل في القصيدة كالهمزة، أحياناً يكون همزة قطع وأحياناً كثيرة همزة وصل. * لا توجد شاعرة الرجل على غرار شاعر المرأة، لماذا برأيك؟ - لا شاعر المرأة ولا شاعرة الرجل، كلها تصنيفات خارجة على قانون القصيدة، هناك شاعر الإنسان أو فليجد له عملاً آخر. * لا أريد المقارنة ولكن أريد أن أسألك، هل يوجد فارق ما بين شعر الرجل وشعر المرأة من حيث الشعرية ونبضها وتأثيرها في الواقع والحياة؟ - القصيدة لا تحتاج إلى أظافر مطلية وشَعر طويل لكي نصنفها في شعر المرأة أو الشعر النسوي كما يسمى هرطقةً، كذلك القصيدة لا تحتاج إلى زنود ومناكب عريضة ولا إلى عضلات لكي تصنّف في شِعر الرجل، بعيداً من الذكورية المقيتة التي تنخر مجتمعاتنا المتخلّفة، والنسوية الخليعة الواهية السفيهة التي تجتاح أيضاً بيئتنا المهترئة، فليكتبوا شعراً راقياً، لنصير حضاريين وينتهي الموضوع. * ما رأيك في تجربة قصيدة المرأة العربية المعاصرة؟ - تجربة المرأة العربية مع القصيدة ليست معاصرة فقط، هي متجذرة في التاريخ ولكن بخجل، نظراً لما كانت تفتقر إليه المرأة من حرية في القول والتعبير. رابعة العدوية مثالاً عن المرأة الشاعرة الجميلة العميقة المتصوفة والراقية. هذا إذا لم نعد إلى ما قبل التاريخ وأكثر، إلى بداية التاريخ، فأول أثر شعري مدوّن منذ أربعة آلاف عام، في الحضارة السومرية، صاحبته امرأة وهي السومرية إنهيدوانا أول شاعرة في التاريخ. أما اليوم فثمة تجارب جيدة في قصيدة المرأة العربية تستحق التأمل فيها. * هل توجد طقوس معينة تتأثرين بها أثناء الكتابة؟ - أكتب عندما تحين القصيدة، لا وقت ولا زمان ولا مكان. تأتي وانتهى. ولا طقوس للشعر سوى بهاء الشعر، من يقوم بذلك يفتقر لمقوّمات القصيدة فيلجأ إلى ذلك، كإضاءة الشموع والكتابة في الظلمة وغيرها، فهل هو تحضير أرواح مثلاً؟
مشاركة :