تكتب الشاعرة ماجدة داغرالقصيدة المعمقة والتي تجنح الى الصوفية والتصوف، وفي كتابها الأول برزت هذه الخصوصية الفكرية ــ الشعرية . بالإضافة الى تجربتها الشعرية والكتابة بشكل عام ، فهي إعلامية ولها تجارب وأعمال متنوعة في الصحافة المكتوبة والمسموعة. وتتحدث هنا، في هذا الحوار عن أسئلة تقلقها وتقودها الى الشعر والكتابة، فماذا تقول؟: ــ ماجدة داغر، أنت شاعرة ولديك دواوين، لديك أيضاً إصدارات في البحث الأدبي والتاريخي. أين يكمن شغفك ، هل هو في القصيدة أم في الكتابة ..؟ ـــــ الكتابة هي من أدوات التعبير الأجمل أياً يكن نوعها، ونحن إذ نمتلك هذه الأداة تصبح شغفاً من دون أن نشعر وتصبح الجزء المحيي من حياتنا، كما وكأنّ كل الباقي في خدمة هذا الشغف وينبض لأجله. وكيف بالحري إن كنّا نمتلك أداة تعبيرٍ أشدّ تأثيراً وأكثر توهّجاً وإشعاعاً وأعمق الأنواع الكتابية وأعظمها، وأعني الشعر بالتأكيد. حينذاك تتحوّل القصيدة إلى قوةٍ فتّاكة تطيح بكل ما عداها من كتابات، فيصير كل ما نفكر به شعراً، وكل ما نمسّه شعراً، وكل ما نقوله شعراً، وكل ما نتمناه شعراً. الشعر هو الشغف والحلم القصيّ الذي يجعل الواقع أخفّ وطأةً والحياة أكثر رحابةً. عندها تنقلب الأدوار لتصير القصيدة واقعاً نعيشه حتى وإن كان وهماً، وهذا ما يشير إليه الصوفيّ الكبير جلال الدين الرومي في تعريف الشعر بأنه يمكن أن يكون خطيراً لأنه يوهمنا أننا عشنا هذه التجربة ونحن في الواقع لم نختبرها. وهنا تكمن المغامرة التي يعشقها الشعراء. ــ ما هي مؤلفاتك، وأين أنت والشعر اليوم؟ ــــــ كتبي المنشورة هي: ديوان “آية الحواس” الصادر عن دار المفيد، ديوان “جوازاً تقديره هو” عن دار الفارابي، كتاب “بيت الذاكرة والقامات العالية” عن دار الفارابي، كتاب “قصور ومتاحف من لبنان” وهو بحث تاريخي عمراني عن قصور لبنان التاريخية الصادر عن “الجنوب برس” لصاحبه سمير بساط قبل أن يحذف اسمي من الطبعة الثانية في عملية سرقة ملكية فكرية موصوفة. وأنا في صدد إعداد ديوان جديد، أتمنى أن يُتاح لي الوقت لكي أنجزه قريباً. ــ تقولين سرقة؟ هل تعملين لاستعادة حقوقك ؟ ـــــــــ فضلت عدم خوض هذه التجربة، خصوصاً أن صداقة كانت تجمعني بالسيد بساط ولكن اسمي على الطبعة الأولى هو الدليل القاطع على أنني أنا من كتب هذا الكتاب، مع مشاركة كتابية له في بعض المواضيع. ــ نعود إلى سؤال الشعر، الى أين وصلت قصيدتك بالبوح والاعتراف وإلى أين تتجه؟ ـــــــــ البوح والاعتراف هما مرحلة متقدمة جداً من كتابة الشعر، لأن قدرتنا على قول ما نريد تبقى محدودة جداً بالتعبير والكلمات ( كلّما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة). ثم أن نصل إلى ذاك السلام مع الذات والقصيدة لهو أمر صعب يحتاج إلى تجربة ناضجة وإلى مصالحة مع الحياة والكلمة. ربما أصل يوماً ما، لكن في ما كتبته ما زلت مقصّرة جداً. أما في ما يخص القضايا التي تحاكي القصيدة عندي فهي القضايا الإنسانية المعاصرة، وخصوصاً الوجع الإنساني المتأتي من فائض النزف والعنف والدم في عالمنا العربي المتخلف، ومفاعيله المدمّرة على الإنسان نفسياً وأخلاقياً وروحياً. وهذا ما يجعل الشاعر ينغمس بكل جوارحه ناسياً أي مواضيع وقضايا أخرى. ــ وماذا عن الحب ، ماذا قال لك الحب وماذا تقولين له بعد تجربة الحياة مع خطوات عيشك؟ ـــــــــ قال لي إنه شغف جميل نستعيض به عن تعب الحياة، وقلت له إنه الوهم المطلق. ــ بين الكتابة والعمل في الإعلام إلى أين وصلت خطوات طموحك؟ ــــــــ عملي في الإعلام هو شغفي الآخر الذي أتقن الحفاظ عليه، لذلك أقدّم له الكثير من وقتي وإن كان أحياناً على حساب الكتابة والعمل الإبداعي. الالتزام والمسؤولية والمتابعة تستنفد الوقت، بالإضافة إلى عشقي لهذه المهنة التي بدأتها منذ سنوات طويلة في الصحافة المكتوبة وفي التلفزيون وصولاً إلى عملي في “إذاعة الشرق” اليوم من خلال إعداد وتقديم البرامج الثقافية والسياسية. وهذا المضمار مغرٍ جداً على صعيد الطموح فلا شيء يحدّ من الأحلام ومن التقدم والتطلّع إلى تحقيق ما نرنو إليه. أما كتابياً فالأمر أبعد بكثير من مسألة طموح، الشعر هو الكيان والحلم وهو ما تبقى لي من سعادة. هو الملاذ والحضن الدافئ وهو تحدّي الذات والحياة والكون. لذلك مهما ابتعد الشاعر عن قصيدته، لا بدّ أن يستعيدها يوماً فهي حبيبته الأبدية. ــ كيف تقرئين شعر المرأة العربية اليوم، المرأة المبدعة، وهل أبدعت حقاً؟ ــــــــ كل ما يصدر عن المرأة هو عمل إبداعي. هي كائن مبدع بطبيعتها. يختلف مستوى الإبداع في كل ما نقدّم، ولكن المرأة الشاعرة استطاعت أن تصل إلى القمم الشعرية، والأمثلة في التاريخ كثيرة. أما اليوم فهناك تجارب شعرية مهمة ومميزة وثمة أسماء كبيرة في عالم الشعر. ــ كيف تقرئين التجارب الشعرية الحديثة للشعراء الجدد؟ ـــــــــــ كما في كل النتاجات، هناك الغث وهناك الثمين. والكمّ يكون دوماً على حساب النوع، لكن الجيد يبقى الأندر. شهدنا ظاهرة شعرية بدأت منذ سنوات، وساهم في انتشارها المنصات الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي حتى صار الجميع شعراء. كل هذه الظواهر تتساقط مع الزمن ويبقى الشعر الحقيقي. لكن في النهاية الكل عنده تجربته وهذا حق مشروع لكل من يظن أنه يملك موهبة. أما الشعراء الحقيقيون فهم قلّة، مع وجود تجارب شعرية عديدة تستحق التقدير والقراءة. ــ كإنسانة وشاعرة ، ماذا تقولين لإنسان اليوم الغارق في هموم الموت والدم والحروب؟ ــــــــ الإنسان اليوم هو الذبيحة التي تقدّم لآلهة المال والسلطة والحروب وتجار الأسلحة والبشر. إنسان اليوم هو ضحية سياسات الدول الكبرى وحيتان السياسة والمال والمخابرات وراسمي الخرائط الجديدة. والإنسان العربيّ اليوم هو ضحية جشع حكامه وتخلّفهم ودكتاتوريتهم، وهو مقبلات على مائدة السلاطين الجدد والأنظمة البائدة، وهو أعجز من أن يواجه هذا المحيط من الفاسدين والقتلة. نحن أحوج ما نكون اليوم إلى ثقافة جديدة تطيح كل من فقد إنسانيته وأخلاقه ووطنيته وضميره. ــ هل تستطيع الكلمة مواجهة كل هذا الخوف الذي يعم الحياة؟ ـــــــــ لقد فقدت الكلمة تأثيرها الذي كان يهزّ عروشاً ويُسقط أنظمة. أو لِنَقُل خفَتَ وهجها وتقلّص دورها، لأسبابٍ عديدة أبرزها عجزها أمام هول ما يحدث. كيف تستطيع أن تكون مؤثرة أمام جحافل القتلة الذي يتلذذون برؤية دماء الإنسان من دون أي رادع أخلاقي أو ديني أو اجتماعي. بات الخوف في وجدان الإنسان المعاصر، صار جزءاً من ذاكرته السمعية والبصرية والجمعية. الخوف من الآخر بالدرجة الأولى، فالآخر اليوم هو الجحيم فعلاً على قول سارتر. ماذا فعلت الكلمة لمنع الحروب المعاصرة وللحدّ من الإرهاب؟ حتى الدور الذي كان يضطلع به المثقفون والمفكرون والكتّاب والشعراء والصحافيون، سقط بسقوط القضايا الكبرى وقُمع. صار دور الكلمة محدوداً في الزمان والمكان، على رغم كثرة المنصات، والإلكترونية تحديداً، وكثرة المنابر. لِمن نكتب اليوم والقارئ لا يقرأ؟ لِمن نكتب والصحافة تُحتضر؟ لِمن ننظم شعراً والقصائد ينبت عليها العشب؟ ــ من هم الشعراء الذين تركوا تأثيراً في داخلك وفي شعرك؟ ـــــــــ قافلة من الشعراء انضممتُ إليها شعرياً وفكرياً وروحياً، هم الآباء والملهمون ومن دونهم لا أجيد الكتابة. عربياً وعالمياً مرّ الكثير من الشعراء الذين استلهمت فكرهم ورؤياهم وتميّزهم. أذكر منهم أرثور رمبو، شارل بودلير، جلال الدين الرومي، الشاعرة الإغريقية سافو، وغيرهم. ــ هل كتبتِ القصيدة التي تحلمين بكتابتها؟ ـــــــــ لا أعتقد أن ثمة شاعراً قال ما لديه. هذه القصيدة لا تُكتب أبداً، وليس بالمستطاع أن نقبض عليها. كل القصائد تبقى محاولات ونعيش أيامنا الشعرية بالتجريب والاختبار ظنّاً منا أننا نقوم بعمل عظيم، بينما الواقع مغاير تماماً. حتى الشاعر بكل ما أوتي من قدرات، وعلى رغم تميّزه وتفوّقه بالتعبير لم يعثر بعد على تلك القصيدة.
مشاركة :