قلت إن الخطاب الثقافي اليوم يسهم في نمو الجهل بمجتمعنا العربي، ما الذي قصدت بذلك؟- حينما نتحدث عن مصطلح الخطاب في الواقع العربي، فنحن أمام إشكالية وليست مشكلة أو إشكالا، فالإشكالية التي عليها خطابنا أنها منظومة من المشاكل تحتاج إلى حل شامل، كما أن بعض مفردات الخطاب تسهم في نمو الجهل بالمجتمع العربي.هل نستطيع القول إن هناك ازدواجية في الخطاب الثقافي العربي؟- نعم وهي واضحة لكل ذي بصيرة، وهي أزمة عقل ولغة وخطاب ثقافي، ومكمن خطورة مثل هذه اللغة، أنها أصبحت اليوم في متناول الجميع؛ لأن «السوشيال ميديا» أو ما يسمى «الإعلام الحديث» مضافًا إليه الإعلام التقليدي، لم يبق حرفًا منها إلا وأسهم في نشره، خصوصًا أنها باتت تُكسب البعض جمهورًا يتغذى على مثل هذه اللغة، ولو تركها إلى لغة أقرب إلى الموضوعية قد تفقده ذلك الجمهور، الذي يبدو أن إرضاءه بات مقدمًا على الموضوعية والبحث الحقيقي، إننا أمام حالة تكون فيها صناعة الخطاب الفوضوي أمرا لو تركناه لأصبحنا أشبه بالغريب عن ذاته، الذي ترك عادة كانت تغذي فيه وهم التمايز عن غيره، ومن هنا إن لم نقف اليوم، وليس غدًا، موقف الضد الذي لا يجامل من هذه اللغة، التي باتت فيها المعرفة الحقيقية حكمة ضالة تبحث عمن يعيدها إلى سياقها الطبيعي، ومن ثم تكون حاضرة إعلاميًا، فإننا سوف نعيد ذات الخطاب، قصدنا ذلك أم لم نقصد، وبالتالي فإن هذا الخطاب ينتج الجهل، ولكن بمعنيين، الجهل الذي هو ضد العلم، والجهل بمعنى العصبية.كيف نمارس إذًا الكتابة الثقافية والفكرية الحقيقية؟- ممارسة الكتابة الحقيقية تحتاج إلى عقل هادئ واتزان عاطفي، وقبل كل هذا إلى أخلاق، ومفردة لغوية مقاربة لتوصيف الحالة، لأن انفلات اللغة من عقالها يجعلنا أمام حالة تحمل فيها اللغة ما لم تحتمل، لتصبح بعد ذلك جزءًا من المشكلة، والأكثر أن هذا يجعلنا ننصرف عن جوهر ومعنى القضية التي نناقشها، إلى تراشق بالألفاظ يزيد الحالة تأزمًا، ويبعدنا عن مناقشة الحل.كيف نواجه هذا الكم الهائل من التزييف في عالم التواصل الاجتماعي؟- أصبح خطاب الكراهية الذي يبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة لا تحتاج إلى جهد كبير للتدليل عليها، مع التأكيد على أنها ظاهرة عالمية، ولكن كل مجتمع له خصوصيته، فخطاب الكراهية في ألمانيا على سبيل المثال يختلف في موضوعاته عن خطاب الكراهية في مجتمع كالمجتمع اللبناني، الذي يعيش انقسامات طائفية وسياسية معروفة، ويُشار إلى أن عدد قضايا خطاب الكراهية على الإنترنت فى ألمانيا يقدر بالملايين سنويًا، وأن المستشار النمساوى سباستيان كورتس، بحث فى ميونيخ مع مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك، سبل مكافحة نشر الكراهية عبر الإنترنت، وفي مواجهة هذا ليس أمامنا إلا القانون. هل المثقف في ظنك حبيس ذاته المؤدلجة؟- أنا أفضل استخدام مصطلح «النخبة المثقفة»، وأعني بها الشاعر والمسرحي والفيلسوف، وعالم الاجتماع، وقس على ذلك ممن يتعاطون فنًا من فنون الثقافة، لأن مفهوم المثقف مفهوم هلامي وغير واضح، ودخل تحت غطائه الكثير ممن يدعون الثقافة، أما عن الأيديولوجية فهي ليست عيبًا إذا كان «المثقف» يمارس النقد على ذاته أولًا قبل غيره. هل هناك سلبية في وضع المثقف نفسه وصيًا على المجتمع؟- ما السلطة الذي بيد المثقف حتى يفرض وصايته على مجتمعه؟ لا أظن ذلك صحيحا، فالمثقف العربي عادة يعاني تجاهل المجتمع له.هل هناك فارق في التوجهات الثقافية بين الخليج والمغرب العربي؟- في الأدب والشعر تحديدًا، أظن هناك تجارب في الخليج تضاهي، أن لم تكن تتفوق على الكثير من تجارب الشعر في الوطن العربي، ولكن في الاشتغال الفكري والفلسفي أظن أن المغرب العربي اليوم هو الأبرز.قال الكاتب أحمد الهلال إن وسائل التواصل الاجتماعي تسببت في ازدواجية ملحوظة في الخطاب الثقافي العربي، وفي العالم أجمع، إذ تبث هذه الوسائل خطاب كراهية بهدف جذب المتابعين، مؤكدًا أهمية مواجهة هذا الخطاب، الذي باتت فيه المعرفة الحقيقية حكمة ضالة تبحث عمن يعيدها إلى سياقها الطبيعي، ونفي ما يُقال عن سعي المثقف لفرض وصايته على مجتمعه، مشيًرا إلى أن المثقف العربي عادة يعاني تجاهل المجتمع له، وقال إن هناك اختلافًا في التوجهات الثقافية بين الخليج والمغرب العربي، فبينما توجد تجارب خليجية متفوقة في الأدب والشعر، فإن المغرب العربي هو الأبرز في الاشتغال الفكري والفلسفي.
مشاركة :