تكشف الخطوات الأخيرة للرئاسة العامة لرعاية الشباب وتحديداً رئيسها الأمير عبدالله بن مساعد عن مساعٍ حثيثة لإصلاح الأوضاع داخل الأندية على الصعيد المالي بعد تزايد مشكلات ومخاطر الازمات المالية والمطالبات الكبيرة عليها، وجاء تشديد الرئيس العام عقب اجتماعه الأخير برؤساء أندية (دوري عبداللطيف جميل) والدرجة الأولى على أن التحكم والسيطرة على الأمور المالية داخل الأندية يعد أمراً مهماً للغاية، ليكشف عن اقتراب الرئاسة من مكامن الخلل في الأندية خصوصاً وأن رأس هرم القيادة الرياضية هو أحد العاملين السابقين فيها، وهو يدرك خطورة مثل هذه المعضلة التي ستتسبب بصداع للمؤسسة الرياضية ككل. المهم في هذا الاتجاه هو أن تواصل الرئاسة هذه الجهود من خلال احكام الرقابة المالية والمتابعة الدقيقة كخطوات احترازية تكبح جماح العجز المالي داخل الأندية، خصوصاً التي تنشط فرقها الأولى في دوري المحترفين، والتي تصرف عشرات وأحياناً مئات الملايين من أجل تحقيق إنجازات معتبرة، ماينعكس على مستقبل النادي المالي عبر تزايد الالتزامات المتزامن مع ضبابية الرؤية بما يتعلق بمداخيلها في ظل عدم تمتعها بمداخيل ثابتة من عقود رعاية طويلة المدى، والمؤكد أن هذا الزخم والتحرك الجاد يتطلب مزيداً من الخطوات الحثيثة والمتسارعة في أكثر من اتجاه وفي أكثر من جانب. تجربة الاتفاق تستحق التعميم.. و(الفيفا) نموذج لمخاطر الترهل أهم هذه الجوانب، هو الجانب الإداري، فالأندية السعودية ظلت حاضنة في كثير من المناسبات لشخصيات لا تدرك قيمة الكيان الرياضي الحديث، والمقصود بالكيان الحديث، هو أن الأندية لم تعد مجرد مكان مخصص لممارسة رياضات الهواة وحسب، بل أضحت كيانات ينتظر أن تكون تجارية تتحدث بلغة وحسابات الربح والخسارة والاحتراف والتنظيم الإداري والفني، مع الاهتمام بالدور الاجتماعي والثقافي الذي غاب عن المشهد في الاعوام الأخيرة، إذ تعاني كثير من الأندية ال - قبل استحداث الأندية ال الجديدة- من ترهل في القيادة ومن غياب العناصر الشابة المتعلمة التي تدرك قيمة الاحتراف واقتصر الحضور في الجانب الإداري على أسماء ظلت تتقلد المناصب داخل الأندية من دون أن تخطو بأنديتها خطوة واحدة إلى الأمام وعلى جميع الأصعدة. تكشف التجربة الانتخابية في نادي الاتفاق عن جانب مشرق للرياضية السعودية، في مشهد فريد وغير مسبوق، فالتجربة وإن انتهت بتزكية الرئيس خالد الدبل بعد انسحاب منافسه عبدالعزيز الدوسري الذي قاد الاتفاق في فترتين لقرابة ال عاماً، كانت رائعة وفريدة إن من جهة الوهج الإعلامي والرياضي والاجتماعي الذي عاشه أهالي الدمام وانعكس على الوسط الرياضي ككل، أو من حتى تفاعل أبناء الاتفاق مع الحدث، مايستدعي ضرورة العمل على استنساخه وإنهاء زمن التكليف الذي ظل يخنق معظم الأندية لفترة طويلة، فالادارة الاتفاقية الجديد ضمت أسماء شابة لها حضورها المالي والاجتماعي، ويحمل جميع أعضائها مؤهلات دراسية مميزة فضلاً عن معدل أعمارهم الذي لايتجاوز ال، مايعني أن الاتفاق الكيان الذي يخدم الشباب سيقوده شباب مؤهلون ومتعلمون في أرقى الجامعات وفي مختلف التخصصات وهم أولى بتصدر المشهد الإداري في النادي العريق، مع كل الاحترام لمن سبقهم. تجربة الاتفاق هذه، تستدعي دراسة فرض ضوابط وشروط معينة على المترشحين لرئاسة وعضويات مجالس إدارات الأندية، تتمثل بالسن والمؤهلات التعليمية، إذ ليس من المنطقي أن يقود الأندية أسماء متقدمة في العمر وتجد صعوبة في فهم آراء وتطلعات محبي النادي ومنتسبيه، وليس معقولاً أن ننتظر من أسماء متقاعدة مثلاً قيادة منظومة رياضية، خصوصاً في دولة يمثل الشباب فيها الشريحة الأكبر من السكان، إذ من المهم وضع سقف عمري محدد لا يتم تجاوزه بالنسبة للمرشحين على أن لا يتجاوز ال عاماً مثلاً، في حين لا يبدو منصفاً أن نشاهد أسماء تقود الأندية وهي لا تحمل المؤهلات التعليمية التي تمنحها القدرة على القيادة والإدارة، وهو مايزيد المطالب بمراجعة شروط الترشح للمناصب الإدارية في الأندية وجعلها مقتصرة على الأسماء التي تحمل مؤهلات جامعية. والأهم من ذلك كله، هو اقتصار الفترة الرئاسية لكل شخص على فترة أو فترتين كحد أقصى، حتى نضمن عدم استمرارية أي شخصية في قيادة أي نادٍ لأكثر من ثماني سنوات كحد أقصى، ما يشكل ضمانة للتغيير، وعدم تحول النادي والكيان الرياضي لأشبه مايكون بالممتلكات الخاصة، وهو ماحدث في أكثر من نادٍ وفي أكثر من مناسبة، إذ لن يكون أي شخص قادرا على قيادة أي نادٍ لأكثر من ثمانية اعوام وهي فترة كافية لأن يقدم كل مايملك من تجربة وخبرة لخدمة الرياضة، وهذا أمر متعارف عليه في معظم المنظمات وحتى بعض الدول، ولعل تحول منظمة عملاقة مثل (الفيفا) إلى بؤرة من بؤر الفساد العالمي إلا دلالة على إفلاس القيادة المترهلة والمتشبثة بالسلطة لفترة طويلة، لتنتهي مسيرتها بفضيحة وخروج مذل لرئيس الهرم السويسري جوزيف بلاتر الذي وقف بقوة وحاك المؤامرات ضد كل من حاول الاقتراب من كرسيه، في دلالة على أن بقاء المسؤول في منصبه الرياضي لفترة طويلة يفضي إلى الفشل وإلى الفساد في حالات عدة. أخيراً، تستحق توجهات الرئاسة نحو تقنين المصاريف ومراقبة العمل المالي داخل الأندية الدعم والتشجيع، ولا يوجد مايمنع أن تتسع دائرة الاهتمام بالجوانب المالية للأندية بأخذ التعهدات على مسيريها بالحفاظ على أموالها وعدم التسبب بأي مشاكل ومطالبات مالية على النادي، ولعل خطوة منع تقديم السلف المالية المستردة هي أهم هذه الخطوات التي تحتاج لمتابعة، فيما لن يكون هذا التوجه ناجعاً ما لم يكن مقترنا بخطوات جريئة لتقنين وتحديد المؤهلات العمرية والعلمية لمن يترشح لرئاسة أي نادٍ حتى نضمن تكامل عملية التجديد والتغيير التي بات الوسط الرياضي بأكمله يشعر بها وينتظر اكتمالها لعلها تغير بعضاً من واقع رياضتنا.
مشاركة :