فقد جعفر (27 عامًا) عمله الخاص كسائق حافلة وأجبرته إغلاق المدارس واعتماد التعليم عن بُعد حتى إشعار آخر بسبب تفشي «كوفيد-19»، على فتح مشروع للبيع الإلكتروني بعد 8 أشهر من البطالة، حالة جعفر تمثل آلاف الحالات التي أجبرتها الظروف الاقتصادية للجائحة على وقف مشاريعهم وإعادة هيكلة وظائفهم. سجّلت البحرين أول إصابات «كوفيد-19» في 21 فبراير 2020، واتخذت المملكة - البالغ عدد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة - تدابير احترازية غير مسبوقة، بدأت بتعليق الدراسة واعتمادها عن بُعد، مرورًا بقيود على السفر، وصولاً لإيقاف خدمات المطاعم والفنادق ودور السينما، والتي تركت تبعات اقتصادية سلبية. فرض قيود السلامة والتباعد الاحترازي والإغلاق العام والجزئي في البلاد أجّج انكماشًا اقتصاديًا لنحو 11 قطاعًا اقتصاديًا في البحرين وصفت بالقطاعات المتضررة من الجائحة أبرزهم: قطاع السفر والطيران، الضيافة والمطاعم، النقل والمواصلات، الخدمات الشخصية (الصالونات وصالات الرياضة والألعاب والترفيه)، قطاع المعارض وتنظيم الفعاليات. وقف الدراسة يوقف العمل! يؤكد جعفر مهدي حسن (27 عامًا) - يعمل سائقًا لحافلة مدرسية لحسابه الخاص- «أن التدابير الاحترازية لتفشي كورونا تسببت في فقدان عمله الوحيد بعد أن أودع العزل الصحي، أعقبها بيوم واحد صدور قرار حكومي بوقف الدراسة في جميع المدارس الحكومية ودور الحضانة والجامعات لمدة أسبُوعين للحدِّ من تفشّي الوباء. فوبيا الحافلات يقول حسن - وهو أول حالة تم اكتشاف إصابتها بفيروس «كوفيد-19» في البحرين بعدما كان قادمًا من الخارج - «إن انتشار خبر إصابته بإعلان رسمي في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي أعطى فوبيا تجاه حافلات التوصيل للمدارس، إذ باشرت الأطراف المتعاقدة معه بوقف خدماته ليفقد بذلك مصدر دخله الوحيد!». واعتمدت وزارة التربية والتعليم في أبريل 2020، قرارًا تنظيميًا للتعلم عن بُعد وتقويمه بصورة استثنائية، في جميع المدارس الحكومية خلال فترة تعليق الدراسة التي تم تمديدها حتى إشعار آخر. الشهرة تفتح المشروع بعد مرور 8 أشهر على فقدان مصدر رزقه الوحيد وتفاقم الإصابات بالوباء، يؤكد حسن أنه فقد بصيص الأمل للعودة لوظيفته السابقة التي كان يتقاضى منها شهريًا 750 دينارًا بحرينيًا (ما يعادل نحو 2000 دولار أمريكي). يقول: «إن البطالة أجبرته على البدء بمشروع للبيع منتجات إلكترونية عبر منصة انستغرام»، مستفيدًا من الشهرة التي حصلت عليها خلال إصابتي بفيروس كورونا»؛ ويتابعه في الحساب نحو 12 ألف متابع منذ 6 أشهر. ويضيف «إن الجائحة غيرت مجرى حياتي بالكامل وأجبرتني على تغيير وظيفتي بعد أن كان روتيني اليومي مرتبطًا بالدوام المدرسي وممارسة الرياضة، أصبحتُ أميل إلى العزلة البيتوتية منذ تفشّي الإصابات». «كورونا» تفتح «أبواب الجحيم» في أزقّة شوارع منطقة جدعلي - جنوب العاصمة المنامة - والتي تعجّ بالمطاعم والمحلات التجارية تكاد تخلو مكاتب القرطاسية من الزبائن بعد اعتماد الدراسة عن بُعد، وبات مخزون القرطاسية في المكتبات للعام 2020 ينتظر تصريفه على أمل عودة الحياة الطبيعية. يقول عبدالله محمد - وهو صاحب مكتبة قرطاسية - «إن لجوء الحكومة لاعتماد الدراسة عن بُعد فتحت أبواب الجحيم أمام مشروعه التجاري بعد تراجع المبيعات بنسبة 80% بسبب اعتماد الطلبة على التعلم الإلكتروني وتقليص الاحتياجات القرطاسية التقليدية». يؤكد محمد «إن الدراسة عن بُعد عبر وسائل الاتصال المرئي أجبرته على إغلاق أحد محلاته في محافظة العاصمة بسبب تراجع الإيرادات بشكل ملحوظ فلم تعد مستلزمات الدراسة تلقى إقبالاً في ظل هذه الظروف (..) حاولت الصمود لمدة عام على أمل الانفراج من الجائحة واستسلمت إلى الخيار الصعب وهو الإغلاق». أمـــد الــــوبــــاء قــــد يــــطــول! يؤكد الدكتور أحمد سالمان - أستاذ علم المناعة بجامعة اكسفورد وتطوير اللقاحات بمعهد إدوارد جينر - أن السيطرة وليس القضاء على وباء كورونا قد يستغرق سنتين على الأقل، موضحًا أن اللقاحات في الوقت الحالي تضعف الفيروس وتخفف من أعراضه وتقي من الأعراض الشديدة والوفاة. ويوضح سالمان - في حديث لـ«الأيام الاقتصادي» - أن القضاء على الوباء مرهون بفعالية تطوير اللقاحات، إذ إن عملية تصنيعها تمر بمراحل معقدة تبدأ في إعداد الدراسات العلمية وعرض نتائجها على المجتمع العلمي وتقييمها، تليها مرحلة نشر الأبحاث في مجلة علمية محكمة. ويشير سالمان - وهو أحد أعضاء الفريق البحثي الذي طور لقاح أكسفورد في بريطانيا - إلى أن مرحلة الاعتماد من الجهات الرقابية كمنظمة الصحة العالمية تعتبر آخر مرحلة وهو قيد يتم إلغاؤه في حال فشل اللقاح وظهور أعراض غير متوقعة في المرحلة الرابعة من التجارب السريرية. إرباك اقتصادي وخيارات صعبة يؤكد الخبير الاقتصادي المتخصص في تحسين الإنتاجية، د. أكبر جعفري «أن جائحة كوفيد-19 العابرة للحدود أربكت كل القطاعات الاقتصادية وباتت عرضة لإعادة هيكلة استراتيجياتها في التسريح وإلغاء وتدوير الوظائف». ويشير جعفري - ويشغل الرئيس التنفيذي لشركة جافكون لتحسين الإنتاجية - «أن الجائحة ألغت وأوقفت الكثير من المشاريع في عدة قطاعات، كما فرضت تدابير الإغلاق العام وتدني الإشغال تقليصًا في أعداد الموظفين وإعادة هيكلة الرواتب خصوصًا في القطاعات المتضررة». وتظهر بيانات حكومية أن الناتج المحلي للبحرين سجل انكماشًا بنسبة 5.8% إلى نحو 12.16 مليار دينار (35.3 مليار دولار) خلال العام 2020، مقارنةً بـ12.91 مليار دينار (35.3 مليار دولار) في العام 2019، بسبب تفشّي جائحة «كوفيد-19» وتراجع حاد للاقتصاد غير النفطي. ويرى الاقتصادي جعفري «أن إطالة أمد الجائحة سيُعرض الشركات المتضررة إلى خسائر فادحة ويفتح أمامها سيناريوهات بتغيير أنشطتها الاستثمارية أو اللجوء لخيارات صعبة كالتصفية وتسريح الموظفين». 1 % تراجعًا في أعداد البحرينيين تظهر بيانات رسمية أن العام 2020 شهد تراجعًا في أعداد الموظفين البحرينيين إجمالاً المسجلين في هيئة التأمينات الاجتماعية بنسبة 1%، إلا أن البيانات ذاتها تشير إلى تراجع الموظفين البحرينيين في القطاع الخاص بنسبة 2% إلى نحو 94,222 ألف بحريني من أصل 142,018 ألف موظف يشملون القطاعين الحكومي والخاص. وحاولت «الأيام الاقتصادي» الحصول على مؤشرات لسوق العمل البحريني للعام المنصرم 2020، ووجّهت عدّة أسئلة إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إلا أننا لم نوفق في الحصول على أي إجابة على مدى 3 أسابيع. يؤكد جعفري «أن تكفّل الحكومة بدفع رواتب الموظفين البحرينيين في القطاع الخاص لمدة 3 أشهر اعتبارًا من مارس 2020 وحتى يونيو الماضي 2020، أنقذ الموظفين البحرينيين من التسريح خلال فترة الإغلاق». وأقرت الحكومة البحرينية في مطلع مارس 2020، حزمة مالية للتحفيز الاقتصادي بقيمة 4.3 مليار دينار (11.2 مليار دولار) تضمّنت تكفل الحكومة بدفع رواتب المواطنين في القطاع الخاص للأشهر الثلاثة أبريل ومايو ويونيو، من وفورات صندوق التأمين ضد التعطل، وإعفاء المواطنين من دفع رسوم الكهرباء والماء وتأجيل أقساط القروض لمدة 6 أشهر دون فوائد دعمًا للمواطنين والشركات. كما مدّدت الحكومة قرار التكفل بدفع 50% من رواتب البحرينيين المؤمن عليهم في القطاع الخاص المتضررة اعتبارًا من شهر يوليو، حتى ديسمبر 2020 للقطاعات الأكثر تضررًا والتي لا تزال تعاني من الغلق الكلي أو الجزئي، وتواجه صعوبة في استمرار أعمالها. الأجانب في دائرة الاستهداف يقول جعفري «إن دعم الحكومة لرواتب البحرينيين فقط طرح خيارات أمام الشركات لاستهداف الموظفين الأجانب كخيار للتخفيف من الأعباء المالية والمصاريف المتكررة التي تستنزف الأجور منها نحو 70% من موازنة الشركات». وتظهر البيانات الرسمية تراجع الموظفين الأجانب المسجلين في هيئة التأمينات الاجتماعية إلى 421,068 ألف أجنبي بنسبة 12% خلال العام 2020 مقارنة بـ477,741 ألف أجنبي في العام 2019. حزمة إضافية لإنقاذ الاقتصاد يرى الخبير الاقتصادي المتخصص في تحسين الإنتاجية د. أكبر جعفري «أن إطلاق من حزمة جديدة للتحفيز الحكومي باتت ضرورة لاستدامة النظام المالي وقدرته على دعم الأفراد والشركات المتضرّرة من تداعيات الجائحة». ويؤكد جعفري «أن الحزمة التحفيزية حققت أهداف اقتصادية واجتماعية، في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي للمواطنين العاملين في القطاع الخاص، وإسناد الأفراد والقطاعات المتضررة عبر توفير السيولة اللازمة، وتحقيق التعافي الاقتصادي».
مشاركة :