(1) الذي يتابع المشهد الخاص بالملف النووي منذ أن حل الرئيس بايدن في البيت الأبيض يلمس أن لأميركا رغبة جادة بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران في إطار المجموعة الدولية «5+1»، والتي كانت انسحبت منه من طرف واحد، إبان إدارة ترمب. فالإدارة الاميركية الجديدة تبدي نشاطاً ملحوظاً لإنجاز هذا الهدف، هذا دون الالتفات إلى المخاوفِ الإسرائيلية و«خرمشاتها» الطفولية، والتي أسمتها الإدارة الأميركية بالأمس ب «الثرثرة»، حيث تحاول إسرائيل عبثاً إعاقة العودة الأميركية وتفعيل ذلك الاتفاق. فالهدف الاستراتيجي الأميركي يتمثل بقطع الطريق على إيران دون امتلاكِ سلاحٍ نووي. إلا أن المسألة التي تعيقُ عودة سريعة إلى هذا الاتفاق تتمثلُ بالخلاف على من يبادرُ أولاً باتخاذ الخطوة الأولى، فإيران تشترط رفع العقوبات الأميركية قبل الحديث عن العودة إلى الاتفاق. كما أن أميركا بالمقابل تطالب إيران بالتوقفِ عن تطوير تجاربها النووية، كشرطٍ مسبق لعودتها إلى الاتفاق. وبين شدٍّ وجذب، هذا يهدد بمزيدٍ من العقوبات، وذاك يلوِّح بزيادة نسبة التخصيب، تبدو المسألة وكأنها سياسةُ عضَّ الأصابع المتبادل: من يشكو أولاً، فيتراجع عن مطلَبه. (2) وأعتقد أن إرادة العودة إلى الاتفاق متوفرةٌ لدى الطرفين. يعزز ذلك الضغط الإيجابي الأوروبي/الروسي/الصيني للإسراع بإبرام الاتفاق النووي ولو بتعديلاتٍ طفيفة، وصولاً إلى منطقة مُرضيةٌ وسطى لكلا الطرفين. ذلك أن لهذه الدول مصالح مادية وتجارية ونفطية شبهُ معطلة مع إيران، ولن تدور عجلتها مجدداً إلا بتفعيل ذلك الاتفاق وذلك بالطبع بعد رفع العقوبات الأميركية. إن مباحثات ڤيينا على المستوى الفني وعلى مستوى اللقاءات الأميركية الإيرانية غير المباشرة، تُمهد كما يبدو إلى مباحثاتٍ قادمة وشيكة على مستوى سياسي رفيع، وبحضور كل الأطراف. وأجزم أن عودة أميركا وإيران للاتفاق قد باتت وشيكة، فالاتفاق يحقق المصالحَ الاقتصادية لكل الأطراف، ويتحقق الهدف الرئيسي بإيقاف النشاط النووي الإيراني، وهو بيت القصيد بالنسبة إلى أميركا، وبالتالي إلى كل دول الإقليم المتخوفة من امتلاك إيران لقدراتٍ نووية. (3) إلا أن ما يهمنا كعرب أن لايكون هذا الاتفاق على حساب أي من أقطارنا وأن لايضرَّ بمصالحنا العربية. حيث نأمل من سلسلة التفاهمات المنتظرة الأميركي/الإيراني والأميركي/الروسي المتوقع بعد قمة بوتين/بايدن، وعلاقات مصرية/تركية وشيكة، بأن تسود منطقتنا أجواء تهدئةٍ وسلام، مقدمة لوقف تلك الحروب اللعينة، التي أبتلينا بها والتي هي في الحقيقة صراعٌ مصالح بين أجنداتٍ ومصالح أجنبية على الأرض العربية. والسؤال: هل سيساعد هذا الاتفاق في وقف الحرب في اليمن؟ والسؤال: هل ستفضي كل تلك التفاهمات المتوقعة، إحلال السلام والمصالحة الوطنية في سوريا، وضمان انسحاب القوات الاجنبية، وعودة اللاجئين؟ والسؤال: هل سيتوقف التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للعراق؟ والسؤال: هل سيتوصل العرب إلى تفاهمات مع كل من إيران وتركيا، تفاهمات تقوم على الاحترام المتبادل ومراعاة كل طرف لمصالح الطرف الآخر؟ أسئلة لا نعتقدُ أن الإجابةَ عليها ستكون بمصلحةِ العرب، إن لم تتوحد المواقف العربية وتتبلور لدى قادتنا قناعةٌ عملية أن مستقبلنا واحد، فإما نسير بأمتنا إلى الأمام أو إلى مزيدٍ من التقهقر. (4) وبعد؛ فإن الامتحان العسير الذي لا بد أن نواجهه كعرب ومهما تم تأجيله، هو الموضوع الأهم والمركزي المتعلق بالقضيةِ الفلسطينية. واللهُ، ومصلحةُ العرب من وراءِ القصد. (الرأي)
مشاركة :