قال الرئيس الصيني شي جين بينج إن حكومة بلاده لا تشارك في سرقة الأسرار التجارية ولا تدعم الشركات الصينية التي تقوم بذلك. وأوضح شي في مقابلة صحافية مكتوبة مع "وول ستريت" قبيل زيارته إلى الولايات المتحدة "أن السرقة الإلكترونية للأسرار التجارية وهجمات التسلل الإلكتروني ضد شبكات حكومية غير مشروعة ومثل هذه الأعمال جرائم جنائية يجب معاقبة مرتكبيها وفقا للقانون والاتفاقيات الدولية المعنية. ويرى شي أن لدى الصين والولايات المتحدة مخاوف مشتركة بشأن الأمن الإلكتروني، مؤكدا استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع الجانب الأمريكي في هذه المسألة. ودعا الرئيس الأمريكي أخيرا رؤساء الشركات إلى اعتماد موقف أكثر انفتاحا ومباشرة في إدانة التجسس الصيني، وقال أوباما "لا تقولوا إن لدينا مشكلة لكن نرجو عدم ذكر اسمنا"، مؤكدا أن الأمريكيين لن يكونوا فاعلين في مواجهة الصينيين ما لم نكشف الوقائع والأدلة. وكانت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي قد أصدرت أمس الأول تحذيرا شديد اللهجة للصين لوقف التجسس الإلكتروني الذي ترعاه الدولة واصفة إياه بأنه مبعث قلق للأمن القومي وعامل حاسم في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. ويسعى شي خلال زيارته للولايات المتحدة للقاء نظيره الأمريكي باراك أوباما، إلى إظهار زيادة النفوذ الصيني في العالم رغم القلق المتزايد من أن اقتصاد الدولة الآسيوية العملاق يفقد قوته. وبحسب مسؤولين صينيين، فإن المحادثات تتضمن العلاقات التجارية بين البلدين والجغرافيا السياسية والتغير المناخي، إضافة إلى الإرهاب والأمن الإلكتروني وغيرها من المواضيع. وترى الصين في هذه الزيارة فرصة لتأكيد مكانتها كدولة وحيدة قادرة على منافسة الولايات المتحدة في الأهمية العالمية، إذ تحدث الرئيس الصيني لرجال أعمال أمريكيين كبار الأسبوع الماضي عن "نموذج جديد للعلاقات بين الدول الكبرى". وقبل أقل من ثلاثة أشهر كانت بكين تشعر بالارتياح في أعقاب نجاحها في الحصول على تواقيع عشرات البلدان بينها الحليفتان المقربتان من الولايات المتحدة ألمانيا وبريطانيا، في البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية. لكن الانخفاض الكبير في بورصة شنغهاي، إضافة إلى التوتر في السوق العالمية على خلفية التباطؤ المستمر في النمو، والشكوك حول قدرات شي وغيره من القادة الصينيين على إدارة الاقتصاد، أثرت في هذا النجاح. وفي هذا السياق، قال كارل بايكر، مدير البرامج في مركز المحيط الهادئ للدراسات الدولية والاستراتيجية في هونولولو، إن الرئيس شي ورغم التقلبات الاقتصادية الأخيرة ما زال يملك القوة في وجه أوباما لأن الرئيس الأمريكي أصبح في نهاية ولايته الرئاسية، مضيفا أن شي جينبينج ما زال متأكدا من أنه باق لبعض الوقت مستقبلا. ورغم رغبتها الشديدة في الاعتراف بها كقوة عظمى داخل البلاد وخارجها، تدرك الصين الشكوك القائمة حول أعمالها وتسعى بانتظام إلى إصدار تطمينات وعلى رأسها أن الصين لا تسعى إلى الهيمنة. وخلال الزيارة سيلتقي الرئيس الصيني رؤساء مجموعات اتصالات كبيرة وكذلك حكام عدد من الولايات أبرزها كاليفورنيا وميشيجن وآيوا وأوريجون وواشنطن. وتسعى بكين باستمرار إلى التقرب من هذه كل هذه الشخصيات التي تتمتع بنفوذ كبير وتسهم تقليديا في تخفيف الخطاب المعادي للصين المنتشر لدى الرأي العام الأمريكي. وهذا التوجه ليس جديد، فقد استقبلت ولاية واشنطن ثلاثة رؤساء صينيين هم دينج سياوبينج وجيانج زيمين وهو جينتاو. وقال غاري لوك الحاكم السابق لهذه الولاية الذي كان سفيرا لبلده في بكين، إن هناك تاريخا طويلا من التعاون بين ولاية واشنطن والصين. وأضاف لوك أن لدينا علاقات ثقافية وتاريخية واقتصادية، ونعرف قيمة التجارة الدولية ونعرف قيمة الصادرات إلى الصين وآلاف الوظائف بأجور مرتفعة التي تسمح بإحداثها هنا في ولايتنا. وفي ولايات أخرى، تثير رسائل بكين اهتمام عدد من الشخصيات، وشدد تيري برانستاد حاكم آيوا الولاية الأساسية في السباق إلى الرئاسة الأمريكية على علاقاته الشخصية مع الرئيس الصيني، وقال "أشعر بالفخر لأنه وصفني بالصديق القديم". ولا تفسر هذه العلاقة بالتعاطف الشخصي فقط، فقد أصبحت الصين على مر السنين إحدى أهم الجهات التي تشتري الخنازير والصويا الذي تنتجه هذه الولاية الزراعية الواقعة في وسط الولايات المتحدة. وفي 2012 وجه ميت رومني الذي ترشح للانتخابات الرئاسية السابقة في مواجهة أوباما، انتقادات حادة لبكين وتحدث عن عملة صينية خفضت قيمتها عمدا" بشكل مصطنع لتشجيع الصادرات، وقال مايكل غرين مذكرا "فجأة التزم الصمت حول هذا الموضوع لماذا؟ لأن استطلاعات الرأي أظهرت أن المزارعين في آيوا غضبوا لأنهم خافوا من تأثير هذه التصريحات في زراعاتهم. لكن المسؤولين الصينيين يرون القمة بين الرئيسين فرصة لتخفيف المخاوف في الولايات المتحدة بشأن طموحاتها العالمية، جنبا إلى جنب مع الاتهامات الموجهة إلى بكين بالوقوف وراء عمليات تجسس إلكترونية ضد الحكومة والشركات الأمريكية. وتنحصر المواجهة حاليا بين البلدين في الجانب الاقتصادي، الذي يمثل أبرز الخطوط العريضة للسياسات الصينية؛ إضافة إلى المواقف الإقليمية المتباينة وسبل الضغط الدولي لتمرير تلك الرؤى والمواقف. فالصين حاليا تشكل ثاني أكبر اقتصاديات العالم، وتلعب أدوارا دبلوماسية في عدد من القضايا على جبهات متعددة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأوروبا. وشهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموا مذهلا، حيث نما حجم التجارة بين البلدين إلى نحو 536 مليار دولار. وقدرت صادرات الصين للولايات المتحدة في عام 2012 بنحو 426 مليار دولار بينما قدرت الصادرات الأمريكية للصين بنحو 110 مليارات دولار بعجز تجاري نحو 316 مليار دولار لمصلحة الصين، وهذا الرقم يمثل تقريبا 60 في المائة من إجمالي العجز التجاري للولايات المتحدة. واتهمت الولايات المتحدة الصين رسميا بخفض قيمة عملتها السوقية عمدا للزج بصادراتها في منافسة غير عادلة، بينما رفضت الصين بدورها هذا الادعاء وأنكرت خوضها ما يعرف بـحرب العملات؛ إلا أن هذه إحدى القضايا الاقتصادية المثيرة للنزاع بين البلدين. ويتبادل البلدان الاتهامات بشأن ممارسات غير عادلة للترويج لصادراتهما من تكنولوجيا الطاقة المتجددة؛ الأمر الذي ينتهك قواعد التجارة الدولية. وتعتبر الصين أكبر دائن للولايات المتحدة بمبلغ مقدر بنحو 1.3 تريليون دولار في شكل سندات خزانة؛ وهذه السندات هي التي يرجع إليها تمويل عجز الموازنة الأمريكية، وبعض الباحثين الاقتصاديين يرون في هذا السياق أن هذه المديونية تعد مصدر نفوذ اقتصادي صيني على الولايات المتحدة. إلى ذلك جدد الرئيس الصيني عزم بلاده المضي قدما في إصلاح نظام عملتها بناء على قواعد السوق كي يصبح اليوان عملة قابلة للتحويل في الحسابات الرأسمالية بمرور الوقت. ووفقا لـ "رويترز"، فقد سعى كبار المسؤولين الصينيين منذ فترة إلى طمأنة الأسواق العالمية المتوترة بشأن الأهداف المالية لبكين بعد أن أدت سلسلة من البيانات الاقتصادية الضعيفة إلى جانب القرار المفاجئ بتخفيض قيمة اليوان إلى إرباك المستثمرين خلال الشهر الأخير. وقال إن الصين تجري تغييرات كي تجعل اليوان قابلا للتحويل في حساب رأس المال على نحو ثابت ومنظم. وأضاف شي أن إصلاح نظام تحديد سعر صرف الرنمينبي (اليوان) سيستمر باتجاه العملية السوقية، مشيرا إلى أن انخفاض احتياطيات الصين من العملات الأجنبية بسيط وقابل للسيطرة وأن مستوى الاحتياطيات ما زال مرتفعا وفق المعايير الدولية. ومنذ تخفيض قيمة اليوان تصارع الصين من أجل تحقيق الاستقرار لعملتها، ما أدى إلى تراجع احتياطياتها من العملات الأجنبية تراجعا قياسيا بلغ 94 مليار دولار في آب (أغسطس) إلى 3.56 تريليون دولار.
مشاركة :