الأنبا مكاريوس يكتب: الوعي القبطي.. الأقباط والكنيسة والليتورجيا

  • 4/22/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

طوبَى للسّاكِنينَ في بَيتِكَ، أبدًا يُسَبِّحونَكَ (مزمور84: 4)، أدرك الأقباط منذ البداية بحسّهم الروحي واللاهوتي، أن الاحتفال بالأعياد إنما هو احتفال ليتورجي في الأساس، وبعده يأتي أيّ شيء من مظاهر التعييد كالطعام والثياب والترفيه والتزاور والتنزُّه، بل حتى الثياب -وهي إحدى علامات البهجة في العيد- ترتبط أيضًا بالليتورجيا، ليكون أول مكان يرتدي الشخص فيه الثياب الجديدة هو الكنيسة، وكأنه بذلك يدشّنها فيها! ومن ثَمّ فإنه عندما أُغلِقت الكنائس في مثل هذا الوقت من العام الماضي، لم يتحمس الكثيرون لشراء الثياب الجديدة، فما قيمتها بعيدًا عن الكنيسة؟! وما أهميتها وهم سيُحرَمون من بهجة الاشتراك في الليتورجيا؟! ففي كل عام لم يفكروا خلال فترة الصوم الطويلة، إلّا بأيامه الأخيرة المعزّية والمُشبِعة لأرواحهم، أي أيام البسخة المقدسة التي فيها تستريح نفوسهم، وبقداس العيد في نهايتها يكمل فرحتهم. حتى الأطفال ارتبط العيد لديهم بالذهاب إلى الكنيسة، حتى ولو باللعب في أفنيتها. وفي الأعياد التي أُغلِقت فيها الكنائس، لم يشعر الجميع -صغارًا أو كبارًا- بالعيد، ولم تُجدِ الأكلات الشهية ولا النزهات الاستثنائية في التغلُّب على كسرة القلب بغلق الكنيسة، كما لم يروِ عطشهم ما يُعرَض على القنوات الفضائية في المنازل. وقديمًا كانت ربّة البيت تتّخذ التدابير لتهيئة الأسرة للتفرُّغ للعبادة أثناء أسبوع الآلام، فتهيّئ الطعام الذي لا يحتاج إلى جهد ووقت في إعداده، وكانت تخيِّم على البيوت القبطية أجواء الليتورجيا، كما كانت الأم القبطية وهي الإشبينة التقليدية، تهيّئ أفراد الأسرة للمواسم الليتورجية عامة، فعلى سبيل المثال: استعدوا فنحن على أبواب كيهك.. انتبهوا فنحن على أعتاب الصوم الكبير.. تذكروا أننا اقتربنا من أسبوع الآلام... الخ. بل وتحتفظ الأسر بـــ"تذكارات ليتورجية" تعلّقها على الجدران، مثل سعف أحد الشعانين، وقربانة خميس العهد، وصلبان لعيدي الصليب، وشم النسيم الذي يُعيد إلى الأذهان الفردوس المفقود، والبيض الذي يرمز إلى القيامة، وغيرها... بل أن العادات المُجتمعية والأطعمة المرتبطة بالأعياد جميعها له بُعد كنسي، مثل البلح وعلاقته بالاستشهاد، ويرتبط القلقاس والقصب والبرتقال بالمعمودية، والسعف بالنصرة، والفطائر في عيد الملاك بعمل الرحمة... الخ. ومن بين أوصاف الكنيسة أنها "عيد"، والعيد يرتبط في أذهان الجميع بالأنوار والملابس والأغاني الروحية، فالتلحين في الصلاة هو أحد مظاهر السرور «أمسرورٌ أحد؟ فليرتل». حتى عمل الرحمة يرتبط بالأعياد في الكنيسة، منذ كان الصندوق مع يهوذا لشراء ما يخصّ العيد للتوزيع على الفقراء. فالأصل في الكنيسة هو العيد، ومن أجله نستعد بالأصوم والصلوات والقراءات وبعض الطقوس الأخرى. ونلاحظ أن الغرض من الطقوس السابقة على العيد أو المرافقة له، هو وضع العابد في مُناخ العيد، والصوم الكبير مثال لذلك، فنتدرّج: من الاستعداد في الأسبوع الأول من الصوم، حتى سبت لعازر في الأسبوع الأخير، إلى التألُّم مع المسيح حتى نتمجّد معه، وعند قيامة المسيح (مع طقس تمثيلية القيامة) أثناء القداس، تنفجر الفرحة والشعور بالنصرة داخلنا لأن الكنيسة هيّأتنا لذلك. ومن ثَمّ فهناك فرق كبير بين من يعاين فجأة قيامة المسيح، ومن تدرّج معه منذ القبض عليه ومحاكماته وصلبه ودفنه وانتظار قيامته بشغف.. حتى قام: «إن كُنّا نتألم معه، فلكي نتمجّد معه أيضًا». انظر إلى أفراد الشعب وهم يُمعنون النظر في كتبهم في الكنيسة، يتابعون القراءات بكثير من التصوُّف والجدّية الممزوجة بالحب للمسيح المتألم عنّا. انظر إلى دموعهم التي يسفحونها أثناء جلده ومع صرخاته. انظر إلى قَسَمات وجوههم وقد عَلَتها الفرحة الحقيقية، واسمع تهليلهم وزغاريدهم مع ألحان النصرة. إنها ليست مجرد عواطف بشرية، ولا مشاهدة مسرحية أو فيلم سبق تسجيله، وإنما تفاعل حقيقي.. من هنا ندرك لماذا يتمسّك الأقباط بالليتورجيا، ولا يمكن أن يفصلوها عن العيد.. تتكرّر الأصوام وتليها الأعياد في كل عام، ونحن كما نحن، نحتفل بالعيد وكأنه لأول مرة في حياتنا... قال شيخ:" لا تقل: اليومَ عيدٌ، آكل وأشرب! فإن الرهبانَ ليس لهم عيدٌ على الأرضِ، وإنما فصحهم هو خروجهم من الشرِّ، وعنصرتهم تكميل وصايا المسيح، ومظالّهم حصولهم ملكوت السماوات". كل عام وأنتم بخير.

مشاركة :