نزع الإنسانية

  • 9/24/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم تنظر دول في الاتحاد الأوروبي إلى اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية والاضطهاد في بلدانهم، كبشر يبحثون عن الحق في الحياة والكرامة والأمان، بل نظرت إليهم على أنهم تهديد أمني واقتصادي، وعلى أنهم في مرتبة الحشرات والقوارض المتطفلة، حتى إن بعض مسؤولي هذه الدول في الاتحاد الذي يعتبر نفسه تجسيداً لذروة الأخلاق، لم يبالوا بوصف تدفق اللاجئين باعتباره غزواً لطفيليات وجرذاناً وأسراباً من النمل بالتلاعب بالكلمات. لم تنظر شرطة تكساس في الولايات المتحدة إلى طالب أمريكي من أسرة عربية مسلمة، صنع ساعة، على أنه مشروع عبقري مهووس بالاختراع، من النوع الذي يرحب معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا بضمه إلى صفوفه الدراسية، وتتطلع وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) إلى أن يكون من بين طاقمها مع العلماء والمخترعين والفنيين الخلاقين، بل نظرت إليه على أنه إرهابي تحت التدريب لمجرد أنه مسلم ومن أصل عربي. الحدثان لا يمثلان نتيجة لثقافة الفوبيا (الرهاب النفسي) السائدة، ولا التحامل والأحكام القَبْلِيّة والتحيز الديني والعرقي والعنصري، بل يمثلان وجهاً لاعتقاد عفا عليه الزمن، أو يجب أن يختفي من أساليب التعامل مع الآخر والنظر إليه. هذا الاعتقاد يميل إلى نزع صفة الإنسانية عن الآخر، واعتباره أدنى من البشر، ما يبرر التعامل معه بقسوة وبوحشية ومن دون أدنى إنسانية، أو قيم أو أخلاق. مثل هذا الاعتقاد والسلوك يتناقض تماماً مع مبادئ وحقوق الإنسان التي تقوم على الكرامة الإنسانية والحرية والعدل. من المؤسف أنه بعد 67 عاماً من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ما زالت هناك دول ومجتمعات تمارس القولبة العرقية والتنميط الإثني، واعتبار أناس أو مجموعة بشرية أو جماعة دينية أو أقلية ثقافية لا تستحق الحياة، وأنها نكرة، وأفرادها من الدرجة الثانية، ومعزولة اجتماعياً ومظلومة اقتصادياً. في الحرب العالمة الثانية كان الجنود الأمريكيون في مسارح الحرب في المحيط الهادئ، ينظرون إلى أعدائهم من الجنود اليابانيين على أنهم كائنات دون البشر، يستحلون الاحتفاظ بجماجمهم وأجزاء من عظامهم كتذكارات للمعارك. مثل هذا الاعتقاد والسلوك ليسا حكراً على الأنظمة الشمولية، بل سادا ويسودان في الأنظمة الديمقراطية، وسبق أن أكد إدوارد هيرمان ونعوم تشوميسكي في دراستهما لنموذج البروباغندا أن الدول والأجهزة الإعلامية في المجتمعات الديمقراطية مارست قيادة حملات واسعة النطاق وناجحة لنزع صفة الإنسانية عن شعوب أخرى، أو جماعات أو أقليات عرقية وثقافية ودينية في حدود دولها وتابعياتها، إلى الحد الذي يسقط فيه كل رادع أخلاقي. نحن اليوم أمام وضع خطر تتخلى فيه دول ومجتمعات عن التزاماتها الأخلاقية ولا تبالي بأن تنظر إلى مئات الآلاف من اللاجئين على أنهم كائنات غير إنسانية ضارة. ونحن أمام ظاهرة مريعة يقولب فيها الناس على أساس أحكام مسبقة وتحيزات عنصرية وثقافية، مع ما يولّد ذلك من انتهاك لحقوق الإنسان وامتهان لكرامته. فإلى أين سيصل الحال بالعالم في أجواء الشك والارتياب وخطاب الكراهية وعدم التسامح؟ osnim@hotmail.com

مشاركة :