الألوان .. بوابة التعبير عن مختلف الأحاسيس الإنسانية

  • 9/24/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

اعتنت أجناس الفعل الإبداعي بمختلف أشكاله، باللون ودلالته، وأثره البصري على المتلقي، فصار الاشتغال عليه ظاهراً في الشعر والمسرح والتشكيل والغناء وغيرها من الأجناس الإبداعية، إذ لم يظهر اللون بوصفه صيغة جمالية تطرح هوية الأشكال، وتشخص وجودها وحسب، بل تحول إلى صيغة رمزية تحيل المتلقي إلى عوالم يريد المبدع الإشارة إليها. يثير الاشتغال على اللون في الإبداع الإنساني بصوره المتباينة، كثيراً من التساؤلات بين المتلقي والمبدع، ويفتح باباً على أصل الإبداع ومراحل تحوله، ومفهوم الرمز في الثقافات الإنسانية، وقدرة اللون على تشكيل الفضاء الجمالي الشعوري الذي يبحث عنه المبدع؟ فلا يمكن الحديث عن الفرح دون استدعاء مجموعة من الألوان الزاهية والمشعة، ولا التوقف عند مفاهيم الخير والشر دون المقابلة بين اللونين الأبيض والأسود، وكذلك لا يمكن الحديث عن الجنان والطبيعة دون استدعاء اللون الأخضر والأزرق، فاللون تحول في الذهنية الإنسانية إلى رمز يشير إلى شيء، ويفتح تأويلاً على مساحات من الشعور الإنساني والجمالي. لذلك تكشف سيرة الإبداع الإماراتي، كنموذج لمختلف أشكال الإبداع الإنساني، عن اشتغالات متنوعة على اللون، وتطويع قدرته ورمزيته في العمل الإبداعي، سواء كان قصيدة، أو مسرحية، أو قصة، أو صورة، أو حتى أغنية، حيث فتح المبدع الإماراتي باباً واسعاً على دلالة كل لون في ذهنية الثقافة العربية، فصار اللون الأسود حمّالاً لمفاهيم الموت، والحزن، والغربة، والوحشة، والظلام، والعتمة، والخوف، وغيرها من المفاهيم، وظل الأبيض حمّال الخير، والمحبة، والسلام، والشمس، والنقاء، والصفاء، والطيبة، وغيرها، وتعددت دلالات اللون البرتقالي، والأحمر، والأزرق، فصارت مشرعة وقابلة للتبدل وفق السياق الذي توظف فيه، حيث يصبح الأحمر رمز الحب في قصة العشق، فيما يصبح رمزاً للدم في ساحة المعركة. تظهر في هذه المساحة من العمل الإبداعي قدرة اللون على تكثيف مجمل الشواغل الإنسانية، وإعادة إنتاجه جمالياً، وتكشف كذلك عن الآلية التي تعمل فيها ذهنية المتلقي، التي ترسمها الثقافات والحضارات وفق مستويات متعددة، وتاريخ زمني طويل يرتبط في الميثولوجيا، والقصص الشعبية، وتاريخ الحضارات، والطبيعة والجغرافيا التي نشأت فيها. لهذا يمكن الوقوف عند مستويات متعددة من العمل على دلالة اللون في الإبداع الإماراتي، فاللون يظهر في قصيدة للشاعر الراحل أحمد راشد ثاني، حالة جمالية لها امتداداتها التاريخية في الذائقة العربية، فيقول في قصيدة كتاب الليل: أغلقَ الليلُ كتابَهُ وَضَعهُ في النافذةِ، ونامْ. كان شعرُها الأسودُ يجري على قرصِ الشمسِ المغمسِ بالغيومِ الأمواجُ تصفقُ، والأشرعةُ تُغني بإمكان راشد ثاني أن يقول كان شعرها يجري على قرص الشمس، إلا أنه بدا مشدوداً إلى اللون بحالة من اللاوعي الكامل، فقال شعرها الأسود، وهو بذلك يعود إلى جماليات المرأة العربية، ومواصفات حسنها كما ظلت تقدمها ثقافة الصحراء والشعر والحكاية منذ العصر الجاهلي حتى اليوم، فالشعر الأسود دليل جمال المرأة، خاصة ذلك اللون الفاحم، الذي يكشف عن بهاء الوجه. لذلك لا غرابة أن يتحول اللون الأسود في القصيدة إلى دلالة كثيفة على كل سمات الحسن والجمال للمرأة التي يتحدث عنها راشد ثاني، فاللون لا يظهر في النص منفصلاً عن السياق الثقافي والذهني الذي تمضي فيه القصيدة، منذ كتابتها حتى قراءتها على المتلقي العربي. ربما يخرج اللون عن دلالته تلك لو قرأت القصيدة على إحدى القرى الشعبية الشرق أوروبية، إذ فيها تنحاز جماليات المرأة في شعرها إلى اللون الذهبي، وهذا ما تكشف عنه نماذج عديدة من النصوص الشعرية والروائية الأوربية، إذ ظل الشعر يوصف بشلال الذهب، أو أول الشمس، أو غيرها من الدلالات اللونية التي تشير إلى اللون الذهبي. مقابل هذا يمكن قراءة صيغة لونية لافتة في الأعمال المسرحية الإماراتية، فدلالة اللون في التجربة المسرحية المحلية، تظهر بصورة واضحة حينما نتوقف عند نماذج من المسرح الراسخة في الثقافة الإماراتية، فمثلما ظهرت رمزية الخير والشر في مسرحية دينامو عبر اللونين الأبيض والأسود، وظهرت رمزية تضحية الموت والإعدام باللون البرتقالي في مسرحية نهارات علول، حيث ظل البطل - علول - طوال المسرحية يرتدي اللون البرتقالي منذ بداية العرض حتى اللحظة التي أعدم فيها عند نهاية العرض المسرحي، وأصبح رمزاً للقوى الثائرة التنويرية في مجتمعه. بلا شك كان المخرج حسن رجب في عمله نهارات علول يوظف دلالات اللون البرتقالي، المرتبطة بالإعدام في الكثير من الثقافات العالمية ومن بينها العربية، وبذلك يتعدى اللون في المسرحية صيغته الجمالية القائمة في الأزياء والديكور، ليصبح شريكاً وركيزة في مسيرة العمل المسرحي، فلو كان البطل طوال المسرحية يرتدي اللون الأسود مثلاً لتغيرت دلالات الشخصية، ولظل المتلقي في مساحة من التردد أمام تشكيله لملامح شخصية علول. لذلك تظهر طاقة اللون قوية في العمل الإبداعي، وفي تحقيق مختلف أشكال التكثيف والرمزية في العمل الإبداعي، فهو يتحول ويأخذ صيغه برؤى جديدة مع تغير السياق الذي يحضر فيه، والمرجعيات الذهنية التي يملكها المتلقي. هكذا يعمل الفنانون في مختلف تجاربهم التشكيلية، فاللون في اللوحة هو الرمز، وهو الخامة، والمادة التي ستنقل ما يدور في ذهن الفنان، وما يشعر به، إذ لا يمكن قراءة مفاهيم المرأة الحرة، والواثقة في أعمال الفنان د. نجاة مكي دون التوقف عند المجموعات اللونية التي تعمل فيها، ففي مرحلة ما كانت الألوان الغامقة وإضاءات البنفسجي تشكل بناء العمل الفني لديها، فيما راحت إلى مساحة مغايرة عند اشتغالها على الألوان الحارة، كالبرتقالي والأحمر مقابل الأبيض والأزرق. وكأن مكي في تجربتها توظف اللون بوصفه زمناً، فتصبح الألوان الغامقة سيرة الليل والعتمة، ومفاهيم السكون، والوحدة، والوحشة، فيما تظهر مجموعات الفواتح سيرة للنهار، والانفتاح والانفلات والحرية، وغيرها من الدلالات.

مشاركة :