النرجسية بين الأنا العليا ووهم المسؤولية

  • 4/24/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إن البناء المتواصل الذي يشيّده الإنسان في عالمه الفكري.. وصراعات الوجود البشري، وتعايش الناس في مجموعات متنوعة ذات أعراق وثقافات مختلفة، تؤكد أن حب الحياة هو القاعدة الأساسية لجوهر الإنسان وسلوكه، لكن الإنسان بفردانيته التعسفية أذكى نار الخلل في الذات الشخصية في تمظهر قوتها وضعفها. يؤكد مالك بن نبي «أن التاريخ يبدأ بالإنسان المتكامل الذي يطابق دائماً بين جهده وبين مُثله الأعلى وحاجاته الأساسية والذي يؤدي رسالته بوصفه ممثلاً وشاهداً» وتجري التجربة على البشر بهدف الوصول إلى جواب عن السؤال، لماذا يمعن الإنسان في إيقاع الأذى بإنسان آخر وتجريده من أبسط حقوق أنسنته؟ وهل سحق المعتدي نوعٌ لإلغاء الإذلال عن ذاته؟ بالضبط هذا ما يؤكده إيريك فورم فيما يسميه (النرجسية الجماعية) تلك التي تطورت منذ ظهورها الأوّلي عند الإنسان كنزعة فطرية ظهرت على صفحة الماء عندما فتن نارسيس بجماله وعاش رهين عشقه لنفسه، إلى نرجسية مطلقة لديها القدرة على التفكير موضوعياً والشعور باستبداد الذات، وترتبط هذه النرجسية الجماعية بالشعور بالعظمة والتطلع الدائم إلى السلطة والتعالي على الآخرين، وإحساس بالصدارة والافتقار إلى التعاطف مع الآخرين واستغلالهم. لقد أدى تطور أشكال التغير الاجتماعي إلى ظهور أشكال جديدة من الشخصيات النرجسية في المجتمعات الحديثة، ذات أنماط سيكولوجية متعددة في توجهاتها، تمجد الأنا الفردية المتحولة نحو جماعات بعينها، في طبقات معزولة من الأنا العليا بأشكالها المختلفة. وقد تمر هذه النرجسية الجماعية بمراحل وتتوغل في الأنا الجماعية فتبدأ بالنظرة الدينامية لانغماس الذات، ومن ثم مرحلة حب الموضوع وينتهي باضطراب في الشخصية يعرف بمرض الغضب النرجسي، وهو فرط الإحساس لأي إهانات متخيلة - فتتحول من (أنا الأفضل والأقوى إلى نحن الأفضل والأقوى). شهدت الحضارات التاريخية على مر العصور استبداد هذه الشخصيات النرجسية ودورها في الحراك الأيديولوجي للحكومات وحشد الشعوب لخوض الحروب وتدمير الإنسانية، حيث اشتهر أدولف هتلر باحتقاره لكل الشعوب التي لا تنتمي للعرق الآري فتحولت نرجسيته إلى ديكتاتورية دموية أبادت الإنسانية، وكذلك ستالين ورغبته الجامحة بالسلطة على حساب الشعب الروسي، والتجربة حول ما طُرح من أسئلة سابقة يكشف حقيقة قدرة الإنسان في التمادي في إلحاق الأذى بغيره وبمجتمعه! وكان حبل نجاته هو عزاء الذات من وهم المسؤولية، يقول هرمان هسّه في روايته (ذئب السهوب) «العالم الذي تبحثون عنه هو عالم أرواحكم ذاتها» فالشخصيات «هي السجن الذي وضعتم فيه»، «والروح الذئبية تبقى في نفوسنا المتحضرة هي ضمان الإذعان الاجتماعي». ونظراً للأهمية التي يحتلها الإنسان وقيمته الذاتية في أي مشروع حضاري، فهدف الدراسات الحديثة هو توجيه المجتمعات نحو (النرجسية الصحية) التي تتمثل في الصدق المهيكل للذات الإنسانية، وتحقق التناسق والتزامن بين الأنا والأنا العليا، والتزامن في قمع الرغبات المهلكة لروح الإنسان وبشريته الطبيعية، قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً *إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) فالإيمان يبدِّد المخاوف والاتصال بالله يجعل الإنسان خيِّراً معطاءً.

مشاركة :