لم يستغرق الأمر أكثر من دقيقة واحدة فصلت بين حياة الطالبة الجامعية هديل الهشلمون ومقتلها... بين أحلام شبابها وفجيعة الموت الذي يأتي بلا مقدمات: طلب منها جندي إسرائيلي، على الحاجز العسكري، أن ترفع النقاب عن وجهها، فرفضت، وطلبت منه أن يحضر جندية لترى وجهها... انفعل الجندي، وأخذ يصرخ فيها قائلاً: هل تحملين سكيناً؟ ارتبكت الفتاة، وتراجعت إلى الخلف خطوة، خطوتان، فأطلق النار عليها وأصابها بجراح قاتلة. اقترب الجنود من الفتاة التي سقطت مخضبة بدمها، وأزالوا الخمار عن وجهها، وفتشوا حقيبتها الصغيرة، لكنهم لم يعثروا معها على أي سلاح. استدعوا سيارة إسعاف، وصلت بعد حوالى نصف ساعة، ونقلوها الى مستشفى إسرائيلي حيث لم تفلح محاولات الأطباء في إنقاذ حياتها. كانت هديل في طريقها إلى الجامعة لاستكمال إجراءات التسجيل للسنة الأولى، وحاولت المرور عبر الحاجز الفاصل بين منطقة «أتش 1» و «أتش 2»، أي الخليل الأولى الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والخليل الثانية الخاضعة للسلطة الفلسطينية، بموجب الاتفاق الخاص بالمدينة المسمى «بروتوكول الخليل». هناك أوقفها الجنود وأطلقوا النار عليها بالاشتباه. وقال والدها الدكتور صلاح الهشلمون وهو يستقبل المعزين أمس لـ «الحياة»: «قتلوها بدم بارد، قتلوا بنتي بدم بارد، كان بإمكانهم أن يطلبوا منها العودة من حيث جاءت، لكنهم قتلوها. يقتلوننا من دون أن يرف لهم جفن. يقتلوننا كأننا لسنا بشراً». والتقط شاب مجموعة من الصور للجندي وهو يصوب سلاحه نحو الفتاة وهي تخطو إلى الخلف، ثم وهو يطلق النار عليها. وقال والدها، وهو طبيب يعمل في مستشفى محلي في المدينة: «هناك شهود، شاهد على جريمة قتل ابنتي، شهود شاهدوا الجريمة كاملة، هناك صور، سأذهب إلى المحاكم الدولية، وسأطلب منهم أن يفتحوا الكاميرات المثبتة على الحاجز العسكري. أتحداهم أن يفتحوا الصور التي التقطتها كاميراتهم المثبتة على الحاجز العسكري». وقال أحد الشهود عيسى عمر: «كانت هديل متجهة إلى حي تل الرميدة... طلب الجندي تفتيشها ورفع النقاب عن وجهها، لكنها رفضت... أخذ الجندي يصرخ: معك سكين، سكين. عندها حاولت التراجع والابتعاد، فأطلق عليها النار». وأضاف: «تركها الجنود تنزف على الأرض من دون أن يقدموا لها أي علاج لمدة نصف ساعة». وأعلنت السلطات أن الجندي أطلق النار على هديل، البالغة من العمر 18 عاماً، عندما حاولت طعنه بسكين. لكن الصور التي وزعتها مجموعة ناشطة في البلدة القديمة من الخليل تدعى «شباب ضد الاستيطان»، بيّنت عكس ذلك. وقال الدكتور صلاح: «ابنتي متدينة تلبس النقاب. أنهت الثانوية العامة هذا الصيف والتحقت بكلية الشريعة في الجامعة. كانت تحلم بأن تكون معلمة شريعة إسلامية. كانت تحب الحياة، وقتلوها برمشة عين، قتلوها من دون سبب». ويشعر الفلسطينيون بتهديد دائم على حياتهم لدى المرور عبر الحواجز العسكرية المنتشرة في أنحاء البلاد. وقتل الجنود قبل أسابيع الشاب محمد بسام الأطرش، 24 عاماً، على حاجز عسكري يفصل شمال الضفة عن وسطها يسمى حاجز زعترة. وقال شهود إن الجنود أنزلوا ركاب السيارة التي كان يستقلها محمد، وطلبوا منه أن يتقدم، وعندما همّ برفع بنطاله أطلق عليه جندي النار وأرداه قتيلاً. وقالت عائلة محمد إنه كان عائداً من عمله في رام الله إلى القرية عندما تعرض لإطلاق النار والقتل. ووثقت منظمات حقوق الإنسان مئات الحالات لضحايا القتل بالاشتباه على الحواجز العسكرية، وفي الطرق الخارجية التي تجوبها دوريات الأمن الإسرائيلية على مدار الساعة. ويدعي الجيش الإسرائيلي أن تعليمات إطلاق النار المعطاة لجنوده تنص على إطلاق النار بهدف القتل في حالة محددة هي تعرض حياتهم لخطر الموت. لكن منظمات حقوق الإنسان تقول إن تعليمات إطلاق النار في الجيش الإسرائيلي تتسم بمرونة عالية. وأظهرت صور التقطتها كاميرات محطة وقود في مخيم قلنديا قبل شهرين أن ضابطاً كبيراً في الجيش الإسرائيلي أطلق النار على فتى في السابعة عشرة من عمره يدعى محمد الكسبة، وأرداه قتيلاً بعد تعرض سيارته للرشق بحجر. وأظهرت الصور الضابط وهو يوقف سيارته، ويترجل منها، ويلاحق الفتى الصغير الهارب، ويفتح النار من سلاحه الرشاش ويرديه قتيلاً. وأظهرت كاميرات منزلية في رام الله العام الماضي جنوداً إسرائيليين يقتلون تلميذي مدرسة في إحدى ضواحي المدينة وهما يقطعان الطريق ويحمل كل منهما حقيبة كتبه. وقال الدكتور صلاح، والد هديل: «حياتنا مرهونة بجندي إسرائيلي شاب يضغط على الزناد متى يشاء».
مشاركة :