فخامة الرئيس جو بايدن المحترم، الزملاء المحترمون، يسعدني جدا أن أحضر قمة المناخ بمناسبة "يوم الأرض"، وأشكر فخامة الرئيس جو بايدن على دعوته الكريمة. أود أن أنتهز هذه الفرصة لتبادل وجهات النظر على نحو معمق معكم حول تغير المناخ والتباحث حول سبل مواجهة التحديات الناجمة عن تغير المناخ وسبل تحقيق التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة. منذ الدخول إلى عصر الصناعة، خلقت البشرية ثروات مادية ضخمة، لكنها استولت في نفس الوقت على الموارد الطبيعية بشكل متفاقم، الأمر الذي خرق توازن النظام الإيكولوجي في كوكب الأرض، وكشف عن التوتر المتزايد والعميق الجذور بين الإنسان والطبيعة. شهدت السنوات الأخيرة تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور التصحر وتزايد أحداث الطقس المتطرفة، مما أتى بتحديات خطيرة لبقاء البشرية وتنميتها، إضافة إلى جائحة فيروس كورونا المستجد التي ما زالت تتفشى وتزيد الصعوبات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول العالم. في وجه التحديات غير المسبوقة أمام الحوكمة البيئية العالمية، يجب على المجتمع الدولي التحلي بطموحات واتخاذ خطوات غير مسبوقة، وتحمل المسؤولية بشجاعة وتضافر الجهود لإقامة مجتمع مشترك للحياة بين الإنسان والطبيعة. —— يجب علينا الالتزام بالانسجام بين الإنسان والطبيعة. "تنمو وتعيش جميع المخلوقات في الوئام، وتستفيد من غذاء الطبيعة". تعد الطبيعة مهدا لجميع المخلوقات بما فيها البشرية، وتوفر ظروفا أساسية لبقاء البشرية وتنميتها. بما أن الطبيعة غذّتنا، فيجب علينا أن نتعامل معها باعتبارها جذرنا ونحترمها ونحميها ونتبع قوانينها. إن عدم احترام الطبيعة ومخالفة قوانينها لا تؤدي إلا إلى انتقامها منا. إن التخريب المنهجي للطبيعة سيقوض أساس البقاء والتنمية للبشرية ويجعلها كشجرة بدون جذر ونهر بدون منبع. عليه، يجب علينا حماية الطبيعة والبيئة الإيكولوجية كحماية أعيننا، بما يقيم علاقات جديدة بين الإنسان والطبيعة للتعايش المنسجم. —— يجب علينا الالتزام بالتنمية الخضراء. إن الجبال الخضراء جبال من الذهب. وإن حماية البيئة تعني حماية القوة الإنتاجية، وإن تحسين البيئة يعني تطوير القوة الإنتاجية، ها هي الحقيقة بكل بساطة. فيجب علينا التخلي عن الأنماط التنموية التي تخرب حتى تدمر البيئة، ونبذ المقاربات قصيرة النظر التي تسعى وراء التنمية القصيرة المدى على حساب البيئة. ويجب مواكبة زخم الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي في العصر المعاصر، وانتهاز الفرص التنموية الهائلة التي أتى بها التحول الأخضر لتحقيق تحول وترقية الهياكل للاقتصاد والطاقة والصناعة مدفوعا بالابتكار، وبما يجعل بيئة سليمة ضمانا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في العالم. —— يجب علينا الالتزام بالحوكمة المنهجية. إن كلا من الجبال والمياه والغابات والحقول والبحيرات والمروج والصحراء جزء لا تتجزأ للنظام الإيكولوجي. فلا يجوز اتباع مقاربة تبسيطية وسطحية لحماية البيئة، بل ويجب علينا احترام القواعد الفطرية للنظام الإيكولوجي وحسن التوازن بين كافة العوامل الطبيعة، وذلك من أجل تعزيز دوران النظام الإيكولوجي والحفاظ على التوازن فيه. —— يجب علينا الالتزام بمقاربة مركزها الإنسان. إن البيئة تخص رفاهية شعوب العالم، فيجب علينا أخذ تطلعات شعوب العالم إلى حياة أفضل وبيئة متميزة ومسؤولياتنا إزاء الأجيال القادمة في عين الاعتبار. ونحتاج إلى إيجاد سبل لحماية البيئة والتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل والقضاء على الفقر في آن واحد، سعيا إلى تحقيق العدالة والإنصاف الاجتماعيين وزيادة إحساس كافة الشعوب بالكسب والسعادة والأمن في عملية التحول الأخضر. —— يجب علينا الالتزام بتعددية الأطراف. نحتاج إلى العمل على أساس القانون الدولي والتمسك بمبدأ العدالة والإنصاف والتركيز على الخطوات الفعالة، لصيانة المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها، واتباع الأهداف والمبادئ الواردة في "اتفاق الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" و"اتفاق باريس"، وبذل جهود لتنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة؛ ونحتاج إلى اتخاذ خطوات أقوى وتعزيز علاقات الشراكة ورفع مستوى التعاون، والاستفادة المتبادلة لتحقيق التقدم المشترك في المسيرة الجديدة نحو حياد الكربون العالمي. في هذه العملية، لا بد لنا العمل كتفا لكتف، بدلا من تبادل توجيه أصابيع اللوم؛ ولا بد لنا الحفاظ على المثابرة والاستمرارية، بدلا من عكس المسار بسهولة؛ ولا بد لنا الوفاء بالالتزامات، بدلا من نكث التعهدات. يرحب الجانب الصيني بعودة الجانب الأمريكي إلى العملية المتعددة الأطراف لحوكمة المناخ. أصدرت الصين والولايات المتحدة قبل أيام "البيان المشترك لمواجهة أزمة المناخ"، ويتطلع الجانب الصيني إلى العمل سويا مع المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة على تعزيز الحوكمة العالمية للبيئة. —— يجب علينا الالتزام بمبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة. إن مبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة يعد حجر الأساس للحوكمة العالمية للمناخ. تواجه الدول النامية حاليا تحديات متعددة مثل مكافحة الجائحة وتنمية الاقتصاد ومواجهة تغير المناخ. فيجب علينا الاعتراف الكامل بالمساهمات التي قدمتها الدول النامية في مواجهة تغير المناخ مع مراعاة صعوباتها وهمومها الخاصة. ويجب على الدول المتقدمة إظهار طموح أكبر واتخاذ خطوات أكثر، وفي الوقت نفسه، يجب عليها مساعدة الدول النامية بإجراءات ملموسة لتعزيز قدرة الأخيرة ومرونتها لمواجهة تغير المناخ وتقديم الدعم لها في مجالات التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات وعدم وضع الحواجز للتجارة الخضراء، بما يساعدها على تسريع عجلة التحول نحو التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون. أيها الزملاء! إن الحضارة الصينية تؤمن دوما بفلسفة التناغم والتعايش والتكامل بين الإنسان والطبيعة واتباع قوانين الطبيعة. وتم إدراج مفهوم الحضارة الإيكولوجية وبناء الحضارة الإيكولوجية في "دستور جمهورية الصين الشعبية"، وفي التخطيط الشامل المتمثل في "التكامل الخماسي" لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وتعمل الصين على تطبيق المفهوم الجديد للتنمية استرشادا بفكر الحضارة الإيكولوجية، وتسعى إلى التحول الأخضر على نحو شامل للنمو الاقتصادي والاجتماعي مع التركيز الخاص على تطوير الطاقة الخضراء والمنخفضة الكربون، وتواصل إعطاء الأولوية إلى الإيكولوجية وتسلك طريقا أخضر ومنخفض الكربون للتنمية. في السنة الماضية، أعلنتُ رسميا عن اعتزام الصين على بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 وتحقيق حياد الكربون قبل عام 2060. وذلك يعتبر قرارا استراتيجيا هاما اتخذته الصين انطلاقا من مسؤوليتها تجاه إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية واحتياجاتها لتحقيق التنمية المستدامة. تعهدت الصين بالانتقال من ذروة الكربون إلى حياد الكربون خلال فترة زمنية أقل بكثير مما تحتاج إليه الدول المتقدمة، وذلك يتطلب جهودها الشاقة. قد أدرجت الصين هدف ذروة الكربون وحياد الكربون في التخطيط الشامل لبناء الحضارة الإيكولوجية، ونعمل الآن على وضع خطة عمل ونتخذ إجراءات حثيثة لتحقيق ذروة الكربون، وندعم الحكومات المحلية والقطاعات والشركات ذات الإمكانية لبلوغ الذروة أولا. ستسيطر الصين على مشاريع الطاقة الفحمية بصرامة، وتضبط نمو استهلاك الفحم بشكل صارم خلال فترة "الخطة الخماسية الـ14"، وتقلل منه بشكل تدريجي خلال فترة "الخطة الخماسية الـ15". إلى جانب ذلك، قد قررت الصين القبول بـ"تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال"، وتعزيز الإدارة والسيطرة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري غير ثاني أكسيد الكربون، وستطلق التداولات لسوق الكربون الوطني. إن الصين باعتبارها مشاركا ومساهما ورائدا في بناء الحضارة الإيكولوجية في العالم ستلتزم الصين بتعددية الأطراف بكل ثبات، وتعمل على إقامة منظومة الحوكمة البيئية العالمية التي تتسم بالعدالة والإنصاف والتعاون والكسب المشترك. ستستضيف الصين الدورة الـ15 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي في أكتوبر المقبل، تطلعا للعمل مع جميع الأطراف على الارتقاء بالحوكمة العالمية للتنوع البيولوجي إلى مستوى جديد. وندعم تحقيق نتائج إيجابية في الدورة الـ26 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. كما يصدق المثل الصيني "تعليم المرء بالصيد خير من مجرد إعطائه السمك"، بذلت الصين قصارى الجهد لمساعدة الدول النامية في تعزيز قدرتها على مواجهة تغير المناخ بأشكال عديدة من التعاون العملي بين بلدان الجنوب. حققت الصين إنجازات مشهودة وملموسة وفعالة في تعاون الجنوب-الجنوب بشأن مواجهة تغير المناخ، وهي تشمل الأقمار الاصطناعية للاستشعار عن بعد للأرصاد الجوية في إفريقيا، والمناطق المنخفضة الكربون النموذجية في جنوب شرق آسيا، والمصابيح الموفرة للطاقة في الدول الجزرية الصغيرة. كما تعتبر الصين التعاون الإيكولوجي جزءا محوريا من التعاون في بناء "الحزام والطريق"، وأطلقت سلسلة من مبادرات العمل الأخضر، واتخذت سلسلة من الإجراءات في مجالات البنية التحتية الخضراء والطاقة الخضراء والمواصلات الخضراء والمالية الخضراء، بما يخدم رفاهية الشعوب في الدول التي تشارك في بناء "الحزام والطريق" بشكل مستمر. الزملاء، "طالما نوحد الجهود، لا شيء ثقيل بالنسبة لنا." إن التحديات التي أتى بها تغير المناخ على البشرية واقعية وخطيرة وطويلة الأمد، غير أنني على يقين بأنه طالما نوحد جهودنا بروح التساند والتآزر، سننجح في مواجهة هذه التحديات ونترك للأجيال القادمة عالما نظيفا وجميلا بكل التأكيد.
مشاركة :