على غير العادة، ولليوم الثاني على التوالي، امتنع الجيش الإسرائيلي عن الرد على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة نحو الأراضي الإسرائيلية. واكتفى الجيش الإسرائيلي بإغلاق مسافة الصيد في قطاع غزة كليا كرد على إطلاق الصواريخ الذي بدأ منذ ثلاثة أيام. ومنذ ليل الجمعة والسبت، أطلق المسلحون الفلسطينيون في قطاع غزة 45 قذيفة صاروخية نحو الأراضي الإسرائيلية، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض 11 قذيفة فقط. وجاءت التوترات في غزة على خلفية مواجهات شهدها الجزء الشرقي من مدينة القدس بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية منذ بداية شهر رمضان، بلغت ذروتها خلال اليومين الماضيين، مما خلف عشرات الإصابات. ويرى محللون سياسيون إسرائيليون أن إسرائيل قررت تبني سياسة الاحتواء لعدم اهتمامها بتصعيد الأوضاع، ولترك المجال للوسطاء لإعادة الهدوء، كما أن الربح من جولة أخرى من القتال مع الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة سيكون هامشيا. وقالت المحللة السياسية الإسرائيلية شمريت مئير، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "الجيش غير مهتم بالتصعيد، وخلف التسوية مع حماس هناك منطق استراتيجي يقول إن الربح من جولة أخرى من القتال سيكون هامشيا". وأردفت مئير أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مهتم بالتصعيد. التهدئة الأمنية تجاه الفلسطينيين من الإنجازات التي يفتخر بها، فهي تسهل العلاقات مع الدول العربية، وتسمح للمنظومة الأمنية بالتركيز على العمليات في مواجهة إيران". وعلى الرغم من ذلك، إلا أن تصريحات المؤسسة السياسية والأمنية في إسرائيل كانت شديدة اللهجة فيما يتعلق بقطاع غزة. وقال نتنياهو أول أمس إنه أوعز بالتحضير لجميع السيناريوهات المختلفة على خلفية إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، فيما صرح وزير الدفاع بيني غانتس بأن الجيش الإسرائيلي "مستعد لاحتمال التصعيد مع قطاع غزة، وسيفعل كل ما هو ضروري للحفاظ على الهدوء". كما ألغى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، زيارة عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تدهور الأوضاع في الجبهة الجنوبية. وقالت مئير إن الجيش الإسرائيلي ليس وحده غير المعني بالتصعيد، بل إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أيضا غير معنية بالتصعيد، موضحا أن إطلاق الصواريخ هو "رسالة من حماس لإسرائيل في حال منعت الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في شرق القدس بأن إسرائيل ستدفع الثمن". ومن المقرر عقد الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في 22 مايو المقبل، إلا أن العديد من التقارير خرجت في الآونة الأخيرة باحتمالية إلغاء أو تأجيل الانتخابات بسبب رفض إسرائيل إقامتها في مدينة القدس. وقال المحلل السياسي ناحوم برنياع، إن المشكلة تكمن في وجود العديد من الأسباب لاندلاع موجة جديدة من العنف، وتوجد طرق قليلة جدا لمنعها. وشهدت منطقة باب العامود بالبلدة القديمة بمدينة القدس، وهي منطقة غالبية سكانها من الفلسطينيين مواجهات بين قوات الشرطة الفلسطينية والشبان الفلسطينيين منذ اليوم الأول لشهر رمضان المبارك عقب خروجهم من صلاة التراويح في المسجد الأقصى. وتصاعدت حدة الصدامات يوم الخميس الماضي بعد خروج حوالي 500 إسرائيلي من منظمة (لهافا) اليمينية عند باب العامود بالقدس مرددين "الموت للعرب". ورأى برنياع أنه لا فائدة مرجوة من التصعيد، وأن الاتجاه في الجانب الإسرائيلي واضحا وهو "الاحتواء". وقال "ليس لدى إسرائيل ما تكسبه من جولة عسكرية في غزة، كما أنه ليس لديها ما تكسبه من موجة الاحتجاجات التي نشأت في القدس والضفة الغربية". وقال المحلل السياسي الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين، ل(شينخوا) إن "إسرائيل تحتاج إلى بعض التحركات الذكية والسريعة من أجل تهدئة الأوضاع ومنع التصعيد، منها العمل بقوة لمنع الاحتكاك بين اليهود والعرب في القدس". وأضاف ميلشتاين أنه "من الضروري الحفاظ على نسيج الحياة المدنية في القدس والضفة، والتي أثبتت أنها صيغة ناجحة لضمان الهدوء الاستراتيجي خلال العقد الماضي". وخلال السنوات الأخيرة، كانت قضية القدس والمسجد الأقصى تنجح دائما في إثارة احتجاج شعبي لدى الفلسطينيين، وهو ما لم يحدث منذ أكثر من عقد على الرغم من أنها كانت مشبعة بالأزمات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وقال الصحفي الإسرائيلي تال ليف رام، إن موقف الجيش في هذه المرحلة هو التركيز على القدس، وضبط النفس تجاه غزة حتى يتسنى لهم أولا إنهاء مشكلة القدس. وتعتقد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنه إذا توقف التوتر في القدس، وتم تجنب الاشتباكات فإن الأمور ستهدأ في كل من الضفة الغربية وغزة. وستحدد الليالي القليلة القادمة ما إذا كان العنف سيستمر أم ستنجح إسرائيل وحماس في احتواء الموقف ووقف التصعيد.
مشاركة :