الأحداث الكونية العظيمة وأخص بالذكر منها ما يرتبط بعظم المكان وجلال الزمان، قد تقرأ من قبل إنسان تلك الفترة قراءة عابرة دون النظر لها بعمق أبعاد الحدث الزمانية والمكانية، ونحن في هذه الفترة من عمر الزمن وعلى أرض المملكة العربية السعودية، نستشعر تسارعاً عجيبًا وغريباً في الأحداث المكانية والمحيطة تجعل من إمكانية استقراء الحقائق أمراً عسيراً إلا إذا استُعمِلَتْ آلة التدبر والتفكر في الحاضر والمستقبل، فالحاضر زرع الماضي واليوم زرع الغد، وإعمال الذكر على الفكر والفكر على الذكر أمر في غاية الضرورة لإعمال نظرة شمولية للأحداث. ومن الأحداث الجليلة التي تحمل صفة التعقيد في وقائعها السببية والأمنية والتنظيمية بل وحتى السياسية ما أعلنه الديوان الملكي السعودي عن حادثة سقوط رافعة ضخمة جداً في الحرم المكي الشريف في الساعة 5:10 مساءَ يوم الجمعة ١١سبتمبر العام ٢٠١٥ في مشروع توسعة المسجد الحرام، وقد خلفت هذه الحادثة حوالي 108 قتلى و238 جريحًا حسب ما أعلن عنه الدفاع المدني السعودي. وقد أشار العديد من المواقع الإخبارية أن سبب هذه الحادثة قد يعود إلى الحالة الجوية السائدة، حيث تعرّضت العاصمة المقدسة لعواصف رملية ورياح عاتية وأمطار غزيرة في تزامن مع بداية موسم الحج في مكة المكرمة، حيث يتواجد عدد كبير من الحجاج بل والمعتمرين الذين يتوافدون بكثافة أيام الجُمع. وأعلنت الجهات المسؤولة في المملكة الاستنفار لكافة قطاعات الدولة المعنية. الأمر في حقيقته جلل فالمكان مهيب والزمان رهيب والرافعة الألمانية العملاقة تكوين حديدي لم يعرف له التاريخ البشري مثيلاً، ولا يوجد منها إلا قطعتان فقط (تقريبا) في العالم كله، إحداهما في السعودية، والمسؤول عن تشغيلها في الحرم هو فني ألماني ووظيفة الرافعة الأساسية هي تسهيل نقل التربة والمواد التي يتم إخراجها من داخل المسجد الحرام بالإضافة إلى نقل مواد البناء من الساحات إلى داخل المسجد، وكان الهدف من ذلك عدم التضييق على المصلين والمعتمرين أو التأثير على حركتهم. كما أنه لا يتم استخدام هذه الرافعة الضخمة عادة إلا في نقل الحمولات الثقيلة جداً، حيث يمكنها نقل 75 طنّاً في المرة الواحدة، كما أن لها جنازير ضخمة مثل الدبابات لتسهيل التحكم بها، وعادةً ما يتم ربطها بأثقال محددة عندما يتم تشغيلها. ونحن هنا نُقَدِّر عظم الخطب في فجاءة الحادثة وعدد الشهداء والمصابين، ولكننا في مقامنا هذا نستجلب قوى الفأل واستجماع القوى النفسية والعقلية التي أراها تحلق بنا إلى عوالم جديدة من الحقائق التي نلمسها ونشهدها لما بعد هذه الحادثة والتي أجزم بأنها ما عدا ما حدث من مصاب بشري فإنها تقرر تحولات كونية ترسم طرائق مستقبل من خلال ترسيخ فكر لم يقصد لذاته ولكننا نقرؤه قراءة واضحة في ما يلي: أولاً: الاستنفار المهيب من الملك سلمان لأجهزة الدولة كان بمثابة اختبار عنيف ورائع لكاملية وتجانس عمل دوائر الدولة السعودية في شهادة نجاح للمملكة بامتياز على مرأى ومسمع من العالم كله. ثانياً: فجاءة الحادثة كانت اختبارا وتحديا حقيقيا أو كما يسميه الأطباء (Challenge Test) في زمان ومكان غاية في الصعوبة لاستحثاث ظهور أي توجهات مسعورة ضد بلاد الحرمين وشعبها في فترة زمنية هي الأصعب والأدق في تاريخ المملكة العربية السعودية، حيث مثلت السيطرة الأمنية التامة أثناء وبعد الحادثة تأكيد لا يقبل أي فكر مشكك على التمكن الجامح لقوى الأمن الاستخباراتية السعودية التي تمثل البطل الحقيقي للأمن الذي ينعم به الحجاج. ثالثاً: مثلت الاستجابة الشعبية لسقوط الرافعة توقيعا وطنيا شامخا على صلابة القاعدة الشعبية السعودية وتلاحمها مع القيادة سابقة بذلك اليوم الوطني بأحد عشر يوماً وهذا واضح جلي لكل عدل تابع وسائل الاتصال الاجتماعي والتي تمثل نبض الشارع السعودي الحقيقي تجاه مليكه ووطنه. رابعاً: على الرغم من أن القيادة الحكيمة قد اتخذت إجراء بحق بن لادن وهو المقاول القائم على شأن الرافعة وهو الذي زرع اسمه بخطوط من الذهب في خدمة الحرمين الشريفين وبلاده الا ان الجميع استشعر ان المليك لا يحابي في خطأ والإجراء حاسم من ملك حاسم، على علمي بأن المليك سلمه الله وهو زرع الوفاء ومنبع الشهامة من رؤوس العرب حين يقر مثل هذه القرارات فهو يخاطب جميع شرائح المسؤولين في الدولة بضرورة جودة الأداء، وهذا لا يمس تاريخ بن لادن الذي يجب أن يقرأ من خلال منجزه الوطني والعالمي في مشاريعه العملاقة للطرق في الطائف ومكة وجدة وفي طريق الهدا ومطار الملك عبدالعزيز وجامعة الملك عبدالله وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود وميناء جدة الإسلامي وبرج الساعة الضخم وقصر السلام الملكي، وجامعة الأميرة نورة وجسر الجمرات وطريق المدينة القصيم وفندق برج التوحيد ومسجد بوتراجايا في ماليزيا ومطار شرم الشيخ ومطارالقاهرة ومطار الشارقة الدولي ومطار السنغال ومطار ماليزيا (مطار كولالمبور)، والمليك الشهم الذي وجه رساله عملية لكل مسؤول في مملكته أن لا تهاون ولا مجاملات نعلم أيضاً سعة صدره وعمق رؤيته للأمور فابن لادن سيبقى تاريخا وحاضرا مشرقا لبلاده وخادماً لدينه ومليكه أبرزته الحادثة وأي تكوين مؤسسي ضخم في العالم لا يخلو من أخطاء وهكذا بن لادن ومجموعته. خامساً: الدراسات الجيوفيزيائية الدقيقة لا تزال جزءا هاما من التحقيق الذي أكاد أجزم بأنه يسترسم مستقبلاً له ما بعده. زخم من التاريخ خطته وتخطه تلك الرافعة العملاقة وهي ساقطة بقدر ربها الذي جعل لكل شيء مقداراً وأجلاً لسقوط رافعه كان ولا يزال لسقطتها واقعة، وعلى الله قصد السبيل.
مشاركة :