منظمة تنمية المرأة «الإسلامية».. ودورها المأمول

  • 4/28/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

اثنتا عشر عامًا يفصل بين قرار إنشاء منظمة تنمية المرأة المنبثقة من منظمة التعاون الإسلامي (2009)، ودخولها قبل أشهر (يوليو 2020) حيّز النفاذ باكتمال نصاب إشهارها في ضيافة جمهورية مصر العربية الشقيقة؛ تمهيدًا لانطلاقتها كمنظمة ذات طابع دولي من المرتقب أن تلعب دورًا محوريًا ومركزيًا في دعم سياسات تمكين المرأة المسلمة في مجتمعاتها، وإيصال الصوت الجماعي لأحد أكبر التكتلات الجغرافية ممثلة في العالم الإسلامي المترامي الأطراف، وأن يكون ملف «تنمية المرأة» الذي تتبناه منظمة التعاون الإسلامي، وبشكل صريح اليوم، سببًا في تقوية التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية التي تجمعها كلمة «لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبد الله ورسوله»، وتتشارك في إرث حضارة إنسانية وفكرية عريقة انبثقت رسالتها من مهبط الوحي، وبلغت علوم واكتشافات مفكّريها وعلمائها إلى أقاصي الأرض، للمرأة فيها حظ كبير يغيب عنا الكثير من شواهده ولأسباب عديدة.. سهوًا كان أو عمدًا!  فبالأمس البعيد ولّى الخليفة عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبدالله، المعلمة والطبيبة، لتكون سيدة قضاء الحسبة - أي مسؤولة عن الرقابة البلدية والتجارية والحفاظ على الآداب العامة في سوق المدينة المنورة - كنموذج حي للتعامل المجاز مع دور المرأة المسلمة في مجال القضاء، وهو ما واصل على نهجه الفقهاء المؤيدون لتولّي المرأة المناصب العامة والمشاركة في عملية الشورى أسوة بمشاركة النساء المسلمات للرجال في مبايعة النبي عليه الصلاة والسلام، كما شهد تاريخ الإسلام القريب، لأول مرة، وفي ظاهرة قلّ ما تتكرر، وصول عدد يقل عن أصابع اليد الواحدة من السيدات، لقمّة الجهاز الوزاري الحاكم في كل من بنغلاديش وتركيا وباكستان، كخالدة ضياء وتانسو تشيلر وبنظير بوتو. إلا إن واقع الحال يقتضي، إن أردنا لتنمية المرأة ومشاركتها في فضاء الشأن العام الاستدامة، عملاً جادًا للمفكّرين والسياسيين بهدف تنوير الرأي العام ليس بشأن تولّيها لمناصب المسؤولية العامة، فقط، بل بشأن حقوقها الشرعية الأساسية من حقوق روحية وحياتية وتربوية ووظيفية للوصول إلى قواعد تستند إليها خطط تمكين المرأة لترشدها إلى دورها الطبيعي والمنتظر في عمليات الإنتاج والبناء الحضاري تحت «لواء الدولة»، لمواجهة عالم لا يسود فيه إلا من يتعامل مع حقائق العصر بروح التجديد، والتي تفرض على الفرد والمجتمعات الالتزام المسؤول بالعمل المنتج وبالسلوك المتحضر في مختلف جوانب الحياة.  كما يصبح من الضروري بأن تجد هذه المنظمة فتية التأسيس، ولكن العريقة والمتنوعة بخبرات الدول المنضمة لها، وبارتباطها العضوي بمنظمتها الأم بمسيرتها العريقة وحضورها القوي على الساحة العالمية، أن تجد كل أشكال الدعم من أعضائها في مرحلة وضع رؤية عملها التي يجب أن تبدأ من حيث انتهت إليه المنظمات الشبيهة لها. وأن تكون مرحلة التخطيط مرحلة متريثة ومتعمقة، تأخذ في حسبانها التحديات المحيطة بمكوّن وشؤون المرأة المسلمة، أينما كانت، في ظل تزايد المحاولات والمواقف الغربية المتنوعة التي تُشبع دولنا تأنيبًا وانتقادًا، وهي في غالبها.. كلمة حق يُراد بها باطل.  ولا أعتقد بأن ما تقدّم من رأي بغائب عن القائمين على المنظمة، والتي سيكون لمملكة البحرين دورًا فاعلاً ومساندًا لحراكها القادم، حيث كانت من أوائل الدول التي سجّلت دعمها لإشهار مثل هذا التكتل. ونسجل في هذا السياق بعض الأفكار التي قد تتوارد للذهن وتستدعي الوقوف لديها خلال التحضير لمسيرة عمل المنظمة وطبيعة دورها القادم: أولاً: الحاجة الملّحة للتقريب بين مواقف الدول الإسلامية في طبيعة الأولويات التي ستركز عليها أعمال المنظمة، إذ تمثل المحاور التي ستعمل في اتجاهها، «كدور المرأة في مكافحة التطرف»، «القيادة وصنع القرار»، «حماية المرأة من كافة أشكال العنف» و«التمكين الاقتصادي والشمول المالي»، جلّ القضايا التي تركز عليها مجتمعاتنا في وقتنا الحاضر، وتكافح سياساتها في إدماج احتياجات وتطلعات المرأة في مسارها التنموي العام، وهذا أمر لن يكون بالسهل على الإطلاق في مثل هذا التوقيت، أي مع استمرار تبعات مكلفة وتداعيات أليمة لجائحة لا نعرف لها نهاية، لذا وجب ترتيب الأولويات وبرمجتها بحسب ما سيتم التوافق عليه. ثانيًا: ألا تُحمّل المنظمة نفسها بخطط وبرامج ذات الطابع التقليدي المتمثل في التدريبات والتمرينات التي قد تكون العديد من الدول قطعت شوطًا طويلاً في مجالها أو قد تكون لديها الخبرات العلمية والميدانية، ولكن تنقصها الإمكانيات المادية لتمويلها، وأن يكون دور المنظمة المأمول مرتكزًا على «تكتيكاتها» الدولية للتنسيق والتقريب بين الأطراف الأصيلة وفي مجال تنمية التحالفات والشراكات والتمويلات، التي لها أن توجه وتتوجه لنقص بعينه أو بحسب ما تقتضيه ظروف كل مرحلة. ثالثًا: وضع سياسة أكثر فعاليةً وتأثيرًا للتفاوض والتحاور الدولي لدى توضيح مواقف الدول الإسلامية تجاه ما قد تتضمنه الأجندات الدولية من طروحات لا تتفق أحيانًا، حتى مع الفطرة الإنسانية السوية، أو تجاه خصوصية المجتمعات الإسلامية المرتبطة بسيادتها وتدرجها في التجديد والإصلاح أيًّا كان مجاله، بشرط أن تكون الحريات محفوظة والحقوق متاحة. وهذا لن يتم إلا من خلال تشكيل شبكة عنقودية ممتدة من الخبرات النوعية التي يتم توظيفها توظيفًا صحيحًا لدى تبنّي مواقف ومرئيات هذا التكتل الواعد، والذي آن الأوان له بأن يقارع الحجة بالحجة، ويطرح مواطن وفرص التحسين بكل شفافية، ويضع الحلول البديلة لتعزيز دور المنظمة في تنظيم الصفوف. وأخيرًا: أن تتحول المنظمة بأجهزتها وآلياتها إلى منصة مستقطبة لقصص النجاح ولتبادل الخبرات ولتقوية العلاقات وفي التقريب بين المواقف بشكل «مؤسسي وممنهج» لإحداث حراك معرفي مستنير يعالج قضايا المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية بعيدًا عن خطابات التشدد غير العقلاني والأدلجات التي تجاوزتها حركة العصر، وذلك للإسهام في وعي نسائي إسلامي يقف قويًا على مستوى الأحداث، لتنهض «المرأة المسلمة» بنفسها وبواقعها وتفرض من خلال أدوارها المتعددة صيغة متجددة «لشراكتها ومشاركتها» ضمن عمليات التقدم والإنتاج بكل تفرعاته. ومع هذه الملاحظات المتواضعة التي وددْنا طرحها بمناسبة بدء نشاط منظمة تنمية المرأة الإسلامية والتي نتمنّى لها التوفيق في حمل مهامها من بعد طول انتظار، نودُ هنا الإشادة بجهود جمهورية مصر العربية، كعادتها، في توحيد الصفوف والتقريب بين القلوب والمواقف، لترى المنظمة النور تحت رعاية كريمة، سيكون لها، دون شك، الأثر المباشر على تسهيل انطلاقتها القادمة لتولي دورها المأمول في قيادة الموقف الإسلامي الموحد في شؤون المرأة وقضاياها، والذي نراه كأحد عوامل نجاحها، بإذن الله، في ظل الاهتمام الرسمي رفيع المستوى بالمنظمة الجديدة، ممثلاً في فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي بتوجيهاته الداعمة لها، وبمتابعة حثيثة للأخت الفاضلة الدكتورة مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة التي نشهد لها التزامًا مشكورًا ومساعيَ مخلصة وجادة لكل ما من شأنه أن يرتقي بمكانة المرأة العربية والإسلامية.    * أمين عام المجلس الأعلى للمرأة  ] ينشر المقال بالتزامن مع صحيفة الجمهورية المصرية

مشاركة :