منذ أن أعلن جلالة الملك في مقابلته مع وكالة الأنباء الأردنية مطلع العام الحالي عن رغبته بإعادة النظر في القوانين الناظمة للحياة السياسية كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب وقانون الإدارة المحلية، سارعت القوى السياسية والجهات الرسمية إلى تأييد هذا التوجه الملكي. فقد ارتفعت الأصوات المؤيدة والمناصرة للتوجيهات الملكية، وكأن ما تفضل به جلالة الملك هو أمر جديد لا تعيه جميع الفعاليات السياسية والحزبية، وحتى الحكومية منها. وقد انبرت العديد من المؤسسات الوطنية لتنفيذ هذه المطالب الإصلاحية، فباشرت وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية في عقد لقاءات حوارية متتالية مع قادة الأحزاب السياسية للاستماع إلى مطالبهم ومقترحاتهم في هذا الخصوص. ومن ثم أعلن مجلس النواب أنه سيطلق حوارا وطنيا يضم مختلف مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وقادة الرأي، بعد التنسيق مع اللجان النيابية، بهدف الوصول إلى توافقات حول القوانين ذات الصلة بالحياة السياسية. مؤخرا، أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة وزارية لتطوير التشريعات الناظمة للعمل السياسي، وذلك بإشراف مباشر من رئيس الوزراء وعضوية عدد من الوزراء المعنيين، بحيث تكون مهام هذه اللجنة دراسة وتطوير كافة القوانين الوطنية المتعلقة بالحياة السياسية، بما يحقق الرؤى الملكية بتعزيز التنمية السياسية في الأردن. إن هذه "الفزعة" الرسمية في التعاطي مع التوجيهات الملكية وتعدد المرجعيات الوطنية في ترجمتها وإخراجها إلى حيز الوجود سيعيق الحركة والانتاجية، وسيخشى معه من حصول تضارب في الأفكار، وبالنتيجة في المخرجات. فهناك غياب واضح لأي تنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذا الإطار، والدليل على ذلك أن كل منها قد تفردت في وضع آلية خاصة بها لتعديل التشريعات ذات الصلة. فهناك لجنة وزارية من جهة يقابلها حوار وطني برعاية برلمانية من جهة أخرى. إن أهمية التوافق بين الحكومة ومجلس النواب على اتمام هذا العمل ينبع من أن كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية لهما دور دستوري في تنفيذ هذه المهمة التشريعية. فمجلس الوزراء هو صاحب الولاية العامة في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية عملا بأحكام المادة (45/1) من الدستور، والتي يدخل من ضمنها حق المجلس في اقتراح مشاريع القوانين. وهذا ما أكدت عليه المادة (91) من الدستور التي تنص على أن يعرض رئيس الوزراء مشروع كل قانون على مجلس النواب الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه ومن ثم رفعه إلى مجلس الأعيان. فعملية عرض مشاريع القوانين على المجلس النيابي يسبقها بالضرورة عمليتي اقتراح وصياغة لمشروع القانون. في المقابل، فإن السلطة التشريعية لها الحق في اقتراح القوانين، وذلك سندا لأحكام المادة (95) من الدستور التي تعطي الحق لعشرة أو أكثر من أعضاء أي من مجلسي الأعيـان والنواب في اقتراح القوانين ومن ثم إحالتها إلى الحكومة لوضعها في صيغة مشروع قانون وتقديمها لمجلس النواب. إن على السلطتين التشريعية والتنفيذية توحيد الجهود وضمان التنسيق فيما بينهما بغية إتمام هذه المهمة الإصلاحية بأسرع وقت ممكن، خاصة في ظل التحدي الأبرز المتعلق بتحديد طبيعة التعديلات الواجب إدخالها على هذه التشريعات لتحقيق التنمية السياسية المنشودة. (الرأي)
مشاركة :