انخفضت أسعار النفط الخام مجددا، أمس، بسبب التطورات المؤسفة لوضع الوباء في الهند، ونتيجة الزيادة الواسعة في الإصابات الجديدة، إضافة إلى توقعات نمو المخزونات النفطية الأمريكية بوتيرة أعلى من التقديرات السابقة. ويكبح الخسائر نجاح اجتماع وزراء الطاقة في دول "أوبك +" الثلاثاء، الذي تمسك بتوقعات نمو الطلب العالمي على النفط الخام والوقود وانعكس ذلك على قرار الاستمرار في تنفيذ الزيادات التدريجية في الإمدادات مطلع الشهر المقبل، لمواجهة انتعاش الطلب والاستهلاك المحلي صيفا. ويقول لـ «الاقتصادية» مختصون ومحللون نفطيون، إن "أوبك +" كشفت في اجتماعها، الثلاثاء، عن ثقتها الشديدة بتعافي الطلب على الرغم من المعنويات السلبية المصاحبة للوضع الوبائي المتأزم في الهند، الذي أثر كثيرا في استهلاك الوقود في ثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث الطلب على الطاقة. وأشار المختصون إلى أن مجموعة "أوبك +" اختارت المضي قدما في زيادة الإمدادات شهريا وبشكل تدريجي، لتضيف نحو مليوني برميل يوميا للمعروض النفطي العالمي بحلول تموز (يوليو) المقبل، وذلك على الرغم من تعثر الطلب وتضخم المخزونات، وذلك في إطار رؤية مستقبلية تثق بأن الوضع في السوق سيتبدل لاحقا، مع ارتفاع الاستهلاك المحلي في شهور الصيف المقبلة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وأوضح المختصون، أن تفشي الوباء في الهند أدى إلى تقليص الطلب على الوقود في البلاد هذا الشهر، بما يصل إلى 350 ألف برميل يوميا، لكن في المقابل في الوقت الحالي نجد أن التعافي في الصين والولايات المتحدة يفوق الطلب المنخفض في الهند، لافتين إلى جاهزية مجموعة "أوبك +" للتدخل السريع في السوق في حال تدهور الأوضاع، وذلك في إطار الاجتماعات الشهرية المتلاحقة، التي تراجع أحدث بيانات العرض والطلب والمخزونات النفطية بدقة وعمق ولديها بالفعل آلية للعمل بسرعة كبيرة في حالة تدهور الأوضاع على نحو أكثر فداحة. وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا، إن ارتفاع الإصابات في الهند وتسارع وتيرة بناء المخزونات مجددا فرضا ضغوطا واسعة على انتعاش الأسعار، رغم قرار "أوبك +" عدم تعديل القرارات السابقة بإجراء زيادات إنتاجية تدريجية مطلع الشهر الجديد. وأضاف، أن المضي قدما في خريطة الطريق لزيادة الإمدادات في "أوبك +" يحظى بثقة ودعم من المنتجين، خاصة السعودية وروسيا اللتين تقودان المجموعة، لافتا إلى أن "أوبك +" المكونة من عضوية 23 دولة ستعيد ضخ نحو مليوني برميل من الإنتاج اليومي للنفط الخام خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. من جانبه، يرى أندريه جروس مدير شركة "إم إم إيه سي" الألمانية للطاقة، أن المخاوف المحيطة بتعافي الطلب تفاقمت بعد إصابات الهند القياسية والمقلقة لاستهلاك الوقود على المستوى العالمي، مشيرا إلى أنه على الرغم من ذلك ترى "أوبك +"، أن الأزمة مؤقتة، ولن تستمر طويلا وتتمسك بتوقعات نمو الطلب العالمي بنحو ستة ملايين برميل يوميا هذا العام، وتثق بأن تخمة مخزونات النفط الخام التي تراكمت عندما انهار الطلب العام الماضي ستختفي تقريبا بنهاية الربع الحالي. وأشار إلى تأكيد "أوبك +" أن أساسيات السوق جيدة رغم الأزمة الراهنة، وأن ما يحدث حاليا يتفق مع التقديرات التي أطلقتها المجموعة منذ بداية العام الجاري وهي ضرورة التزام النهج الحذر بسبب بقاء أزمة الجائحة مستمرة في تداعياتها الواسعة على الاقتصاد العالمي، على الرغم من انتشار اللقاحات الجديدة بشكل لافت، خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا. ويضيف ماثيو جونسون المحلل في شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن أزمة الطلب في الهند لن تقود إلى التأثيرات المدمرة والساحقة للطلب العالمي، مثلما حدث في بداية اندلاع الجائحة في العام الماضي، الذي وصل إلى ذروته في نيسان (أبريل) 2020، عندما انهارت الأسعار بشدة وهو ما أكدته مجموعة "أوبك +" من التمسك برؤية تعافي الطلب العالمي على المدى القصير واحتواء الأوضاع المتردية في الهند، اليابان، والبرازيل وغيرها من دول السلالات المتحورة للفيروس. وذكر أن الثقة بقرب التعافي دفعت "أوبك +" إلى إبقاء خطة إضافة نحو 600 ألف برميل يوميا في أيار (مايو) المقبل وتقليص التخفيضات الإجمالية، التي كانت قد سجلت نحو ثمانية ملايين برميل يوميا، أو ما يقرب من 8 في المائة، من الإمدادات العالمية، لافتا إلى قول نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، إن هناك تفاؤلا في سوق النفط على الرغم من القلق الراهن، كما تعهد بقيام "أوبك +" بالاستمرار في مراقبة وضع فيروس كورونا، وتقييم تطورات السوق، واتخاذ الإجراءات الملائمة التي تدعم التوازن في السوق. بدورها، تقول الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة، إن ارتفاع المخزونات الأمريكية، الذي هبط بمستوى الأسعار هو تطور مؤقت، لكن اللجنة الفنية في "أوبك +" ترى رؤية مختلفة، وترجح انخفاض مخزونات النفط العالمية بمعدل 1.2 مليون برميل يوميا في المتوسط هذا العام، وذلك بوتيرة أسرع من التراجع، الذي توقعوه قبل شهر وكان قد بلغ 800 ألف برميل يوميا. وأشارت إلى أن التطورات المؤسفة في الهند لا تهيمن على السوق بشكل كامل، لأن هناك عوامل إيجابية مقابلة في مناطق أخرى، حيث نشهد طلبا قويا على النفط الخام في الصين وفق مستوى أعلى، حتى من مستويات ما قبل الوباء، كما أن الولايات المتحدة عادت إلى مستوى الطلب ما قبل الجائحة تقريبا، ويضاف إلى ذلك التأثيرات الإيجابية لانتشار اللقاحات في أوروبا بوتيرة سريعة. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، انخفضت أسعار النفط أمس، وذلك في ظل انتشار فائق السرعة لحالات الإصابة بكوفيد - 19 في الهند، وزيادة فاقت التوقعات لمخزونات الخام في الولايات المتحدة، وهو ما طغى على الثقة التي أبدتها "أوبك" وحلفاؤها في تعاف قوي للطلب العالمي على الوقود. ونزلت العقود الآجلة لخام برنت ثلاثة سنتات بما يعادل 0.05 في المائة إلى 66.39 دولار للبرميل بحلول الساعة 05:25 بتوقيت جرينتش، وذلك بعد زيادة 1.2 في المائة يوم الثلاثاء. هذا وهبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي خمسة سنتات أو 0.08 في المائة إلى 62.89 دولار للبرميل بعد ارتفاع 1.7في المائة يوم الثلاثاء. ويلقي الانتشار السريع جدا لحالات الإصابة بكوفيد - 19 في الهند، ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، واليابان والبرازيل بظلال من الشك على تعافي الطلب على المدى القريب ويثبط معنويات السوق. وفي غضون ذلك، أفاد مصدران لـ "رويترز"، بأن معهد البترول الأمريكي رصد زيادة في مخزونات النفط الخام إلى 4.319 مليون برميل في الأسبوع الماضي، وهو ما يفوق كثيرا الزيادة التي أشارت إليها تقديرات المحللين في استطلاع رأي أجرته "رويترز". وقال موراي أوتشينكلوس المدير المالي لـ"بي.بي في" مكالمة مع محللين لإعلان نتائج أعمال الربع الأول من العام يوم الثلاثاء، "لا يزال هناك فائض نفطي مقلق كبير تعكف "أوبك +" على التعامل معه في الوقت الحالي ولا يزال هناك كثير من عدم اليقين في الأجواء في ظل الجائحة". ومن المقرر أن تظل "أوبك" وروسيا وحلفاؤهما متمسكين بخطط التخفيف التدريجي لقيود إنتاج النفط من أيار (مايو) إلى تموز (يوليو) وسط توقعات متفائلة بتعافي الطلب العالمي. هذا وسيعيد ذلك 2.1 مليون برميل يوميا إلى السوق من أيار (مايو) إلى تموز (يوليو)، ما يقلص مقدار التخفيضات إلى 5.8 مليون برميل يوميا. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 63.91 دولار للبرميل، الثلاثاء، مقابل 63.22 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، الأربعاء، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاض سابق، وإن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 65.36 دولار للبرميل.
مشاركة :