خاطب الرئيس باراك أوباما عسكر أميركا هذا الشهر وقال إن مصالح الولايات المتحدة وروسيا تلتقيان في هدف مشترك هو ضرب الدولة الإسلامية أو داعش. هل هذا صحيح؟ الرئيس فلاديمير بوتين قال في مؤتمر أمني قبل أيام إنه يريد مواجهة تهديد الدولة الإسلامية، وربما كان هذا صحيحاً إلا أنه جزء بسيط من الصورة الكاملة. الولايات المتحدة تريد أيضاً مواجهة الإرهابيين، إلا أن الاتصالات السياسية والعسكرية بين البلدين ليس هدفها الاتفاق على مستقبل سورية، فهذا مستحيل، وإنما تجنب مواجهة عسكرية بينهما في الشرق الأدنى. الولايات المتحدة يسكنها 320 مليون مواطن مقابل 81 مليوناً في ألمانيا، وخطة أوباما تقضي باستقبال عشرة آلاف لاجئ سوري هذه السنة مقابل حوالى 800 ألف في ألمانيا. الولايات المتحدة أنفقت 41 مليون دولار على تدريب أربعة أو خمسة مقاتلين سوريين (خبر رسمي)، وسياستها المعلنة منذ البداية والآن أنها تريد رحيل بشار الأسد. أصدق رئيس جمهورية فنلندا السابق مارتي أتيساري الفائز بجائزة نوبل للسلام وهو يقول إنه حضر في نيويورك سنة 2012 اجتماعات لمندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وعرض المندوب الروسي فيتالي تشوكين خطة من ثلاث مراحل تشمل تنحي الدكتور بشار الأسد عن الرئاسة، إلا أن مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رفضوها معتقدين بأن الرئيس السوري سيسقط سريعاً. اليوم روسيا لها قاعدة بحرية في سورية، وتبني قوة عسكرية برية تشمل ثلاثة آلاف رجل، بينهم عدد من أعضاء القوات الخاصة ومدربون، مع طائرات حربية وأخرى بلا طيار وسفن حربية. يبدو أن الروس يريدون مساعدة الرئيس السوري على الاحتفاظ بما بقي تحت سيطرته من الأرض، ودعم محاولة استرداد مواقع إستراتيجية، مثل إدلب وجوارها. السياسة الروسية إزاء سورية ليست حباً بالرئيس الأسد ونظامه، وإنما كرهاً بالسياسة الأميركية والغربية عموماً، ورداً على العقوبات الأميركية التي تبعت المواجهة في أوكرانيا. الفرق بين الرئيسَيْن أوباما وبوتين، أن الأول يواجه معارضة من الكونغرس في كل قرار له، وأن الثاني يتصرف كما يريد. لذلك خصصت الولايات المتحدة السنة الماضية 500 مليون دولار لتدريب 5400 مقاتل سوري، إلا أنني قرأت قبل أيام أن هذا البرنامج غير قابل للتنفيذ كما أعلِن. في المقابل، بوتين يرسل مختلف أنواع السلاح إلى النظام السوري، ومعها قوات روسية ومستشارين وكل ما يحتاج إليه النظام للبقاء. وبنيامين نتانياهو سأل الرئيس بوتين عن السلاح الروسي إلى سورية. هي رحلة فشلت قبل أن تبدأ لأن مجرم الحرب الإسرائيلي ليس عنده أي رصيد في روسيا وقد عومل برسمية باردة. سورية اليوم كابوس يقظة. أهلها هجروها أو هُجِّروا. البلد مهدَّم، وهو انقسم بين مناطق للإرهابيين وأخرى للنظام. أما المعارضة الوطنية السورية فاسم بلا مسمّى، وهي في البيانات والصالونات أكثر منها على الأرض. ماذا سيبقى من أهل سورية، أي أهلنا؟ مئات ألوف القتلى، ونصف الشعب السوري مهجَّر داخل بلده، وأربعة ملايين لاجئ في لبنان والأردن وتركيا، ومهاجرون إلى أوروبا يأكلهم السمك في البحر أو يصلون إلى معسكرات اعتقال، وحدود مغلقة ومحصّنة بين بلد وآخر في أوروبا. تلقيت فيديو قصيراً عن الدمار في مخيم اليرموك. كان ضاحية عامرة عندما عرفته، وكنت أقابل فيه بعض زعماء الفلسطينيين الذين استضافتهم سورية. الزعماء والفقراء رحلوا عن المخيم، وكل يوم يزيد الخراب على الخراب. لا أكتب وإنما أندب، والندب ليس عملي فأتوقف حتى لا تنتقل عدوى الكآبة مني إلى القارئ.
مشاركة :