أعتبر نفسي – ولا فخر - من أكثر الكتّاب الذين تناولوا فضل الأم، واستحقت الأمهات عموماً أن جعل الله الجنة (تحت أقدامهن). صحيح (أن فاقد الشيء لا يعطيه)، غير أنني قلبت هذه الحقيقة رأساً على عقب، رغم أني فقدت أمي ولم أعرفها أو حتى شاهدتها من أول يوم في حياتي، وهو اليوم الذي رحلت فيه هي وتركتني وحيداً أغني على ليلاي، وكأنني أطبق في مسيرتي مقولة: لا أرض قطع ولا ظهر أبقى. لم أحسد في حياتي أي إنسان استمتع بحنان الأمومة، غير أنني أحتقر وأمقت كل (حيوان) من الناس لا يخفض لأمه جناح الذل من الرحمة، بل إنه فوق ذلك يسومها سوم العذاب. انظروا لعظمة أم (عبد الله بن الزبير بن العوام)، عندما قال لها ولدها: إنني أخاف يا أماه إن مت أن يمثلوا بجثتي، فردت عليه قائلة: والله لضربة سيف في عز، خير من ضربة سوط في مذلة. وبعد أن قتلوه وعلقوا جثته، مرت عليها وهي تنظر إليه بعينيها الدامعتين، وقالت بكل شجاعة كلماتها الخالدة: لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها. وهذا هو (أبراهام لينكولن) أعظم رؤساء أميركا بالتاريخ، عندما سأله أحد الصحافيين عن أفضل كتاب قد قرأه، رد عليه: إن أعظم كتاب قرأته في حياتي هو (أمي). وتداعت على ذهني هذه الخواطر، عندما اطلعت في إحدى الجرائد المصرية على هذا الخبر: شهدت محافظة الفيوم بمصر حادثاً مأساوياً، حيث توفي مهندس مصري يدعى محمد العطفي، بأزمة قلبية حادة بعد أن أعلن عبر حسابه الشخصي عن وفاة والدته حيث قال: ماتت التي كنت أعيش من أجلها. وقال ابن عم الشاب المتوفى: إن الأسرة فوجئت بمحمد يتعرض لأزمة قلبية حادة أثناء تلقي العزاء في وفاة والدته قبل صلاة العشاء، مما أدى إلى وفاته ودفنه بجوارها في المقبرة. واسمحوا لي أن أروي لكم حادثة مماثلة (طبق الأصل) وكنت شاهداً عليها، وكان بطلها رجلاً من أعز أصدقائي، وأعتبره (أخي الذي لم تلده أمي)، وأعني به المرحوم (محمد أبو بكر الغامدي)، وكنت أعرف تعلقه وبره بأمه، وصادف أن مرضت الأم مرضاً خطيراً في الوقت الذي كان هو في القاهرة، واتصلوا به يخبرونه وعاد على وجه السرعة بأول طائرة، وتفاجأ أن والدته انتقلت إلى رحمة الله، ومن هول الصدمة توفي هو في نفس الليلة، وصلوا عليهما معاً وقبروهما في نفس المقبرة.
مشاركة :