يرتبط فن التبوريدة عند المغاربة بالاحتفالات الشعبية والمواسم التقليدية، وأيضا بالأفراح العائلية والأعياد الدينية بالمناطق القروية، وهو ما يبرز مدى تعلق شعب المغرب بالحصان الذي يعد رمزا تاريخيا في التراث الشعبي لدى العرب عامة والمغاربة بصفة خاصة. فن قتالي "التبوريدة"،"الخيالة"، "الباردية"و"صحاب البارود"، كلهاأوصاف لعروض الفروسية، التي تحاكي عبرها "السربة" أي مجموعة التبوريدة، الهجمات العسكرية التي كان ينفذها الجند بواسطة الخيل، ويتم ذلك في إطار احتفالي، يزين خلاله الخيل بأجمل السروج، ويرتدي "الباردية" أي ممتهنو هذا النوع من الفانتازيا الشعبية، لباسا موحدا حربيا تقليديا، ويحملون خلال العرض "المكحلة" أي السلاح الذي تعتمد عليه الفرجة. عيارات البارود التي تطلق في وقت واحد، وتحرك السربة في خط مستقيم بنفس السرعة، يحدثان تناغما تهلل له أصوات الرجال، وتزغرد له النساء ويفرح به الأطفال حسب دقة العرض، لتخلق أجواء الفرجة المتوخاة من تنظيم المواسم التقليدية إلى اليوم ببلاد المغرب، والذي يصعب التنبؤ بوقت اندثاره بسبب تعلق الكثيرين به، خاصة منهم أبناء القرى ممن توارثوا حبه وإتقانه أبا عن جد. هذا الفن الأصيل الذي يحسب على المشهد الثقافي المغربي، لم يعد يجلب السياح الداخليين فقط، بل استقطب مهتمين أجانب، منهم الباحثين والسياح وصانعي الأفلام الوثائقية، الذين غالبا ما يختارون التواجد بأشهر المهرجانات التي تعتني بهذا الفن، والتي تنظم بمدن كالجديدة وقرى مجاورة لها كقرية مولاي عبد الله، التي تحتضن موسم الولي الصالح "مولاي عبد الله أمغار" لمدة تناهز الأسبوع، ويحتفى بذكراه عبر تنظيم احتفاليات التبوريدة يوميا خلال تلك الفترة. المقدمات المغربيات الفانتازيا الشعبية، التي تعتبر منذ ظهورها حكرا على الرجال، استهوت شابات ونساء مغربيات كثيرات، اخترن ركوب الخيل وحمل الأسلحة الثقيلة، والتدرب سنين طويلة بشكل فردي ووسط مجموعات رجالية في الكثير من الحالات، من أجل تحقيق حلم السربة النسائية يوم ما، ليصبح الحلم الفردي لدى كل معجبة بهذا الفن حقيقة، وتتأسس الكثير من الفرق النسائية التي أصبحت اليوم تنافس فرقا رجالية على الميداليات والألقاب، كما تنافسهم على حب الجمهور وتصفيقاته. ومن الأمثلة الناجحة عن التجارب النسائية في هذا المجال، تجربة "المقدمة أمال"، شابة في مقتبل العمر، أعجبت بالفرس والقفز على الحواجز أولا، ثم بالتبوريدة كفن شعبي وموروث ثقافي مغربي، لتنتقل من مرحلة التعلم وحيدة وهي في سنتها الـ 13، إلى التدرب على التبوريدة مع فرقة رجالية، وتطور مستواها بسرعة قياسية، لتنضم بعد اكتساب الخبرة اللازمة إلى فرقة نسائية كانت قيد التشكل بمدينة الخميسات سنة 2004، وتصبح بعدها بأربع سنوات قائدة فرقتها الخاصة. هاتين التجربتين أفرحتا أمال كثيرا حسب ما تحكيه لـ CNN بالعربية، خاصة بعدما عانته لمدة غير وجيزة من نظرة رجالية قاسية كانت ترفض اختراق العنصر النسوي لما تعتبره شأنا خاصا ولفرق كل أعضائها ذكور، وتؤسس بعدها جمعية خاصة أطلقت عليها اسم جمعية النور للتراث والأصالة، والتي تمكنت عبرها من الظفر بالميدالية الذهبية سنة 2008 خلال أسبوع الفرس بالرباط، وكأس الحسن الثاني لهذا النوع من الرياضة خلال نفس السنة. فرقة أمال وغيرها من الفرق النسائية تشارك اليوم في العديد من المهرجانات على الصعيد الوطني، وتجلبن الأنظار المعجبة بتحديهن وعملهن على إبراز شجاعة المرأة المغربية، وإتقانها لما احتكره الرجل طوال حقب زمنية مرت، لكنها لا تخفي مدى صعوبة التحديات التي تواجهها إلى الآن في سبيل استكمال المسيرة، إن كان على مستوى المعيقات المادية، أو على مستوى النظرة الإقصائية السائدة في المجتمعات العربية بصفة عامة.
مشاركة :