تعتبر جائحة كورونا من المصائب الكبيرة التي حلت بالعالم وأصابت جميع دوله دون استثناء بما يشبه الشلل سواء على صعيد الإدارة الحكومية أو على صعيد الخدمات العامة أو على صعيد الإنتاج في القطاع الخاص أو على صعيد السفر والسياحة, بل أثرت تأثيرا كارثيا على التنمية والاقتصاد والوظائف وعلى صعيد التعليم, إذ تقدر منظمة اليونسكو عدد الطلاب الذين تأثروا بسبب هذه الجائحة بمقدار مليار وستمائة مليون طالب وطالبة بسبب تعطل المدارس كليا أو جزئيا مما يهدد جيلا كاملا بالضياع, كذلك الأمر بالنسبة للخدمات الصحية والإدارية والقضائية وغيرها. لكن من حسن الحظ ان الإنسان خلقه الله ليسعى وتدبير الحلول ولا يبقى متجمدا فابتدع حسابات تسمى الآن بالخدمات عن بعد, مثل طلب الخدمات وإنهاء الطلبات والتقاضي وغيرها من المجالات, ومثلما نجحت البحرين في توفير الخدمات المختلفة عن بعد عبر الانترنت نجحت أيضا في توفير المحاكمات عن بعد حيث واصلت محاكم البحرين بفضل حسن التنظيم وتوفير التقنيات الإلكترونية الرقمية باعتماد المحاكمات عن بعد في إطار الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها مملكة البحرين للحد من انتشار وباء كورونا بالتزامن مع استمرار الجدل حول ضمان شروط المحاكمة العادلة للمتقاضين التي يجب فضها في أسرع وقت حتى لا تتعطل العدالة وحتى لا تتعطل مصالح الناس, إذ نظمت وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف مشكورة إجراءات جلسات المحاكم وتقديم الدعاوى وتنفيذها وكل إجراءات التقاضي عن بعد في إطار تلك التدابير الاحترازية وحفاظا على صحة الجميع, صحة المتقاضين وصحة موظفي السلك القضائي بكل مناصبهم, وذلك نظر الى كون البت في القضايا المعروضة على المحاكم مرتبط بآجال محددة واحترام الآجال يعد من شروط المحاكمة والعدالة. والحقيقة, واتكلم من واقع التجربة العملية, فقد شكل اعتماد التقاضي عن بعد سابقة في مسار منظومة العدالة في مملكة البحرين بعدما تم توفير كل متطلبات المحاكمة عن بعد وربط جلسات المحاكم إليكترونيا بعدد من المحاكم, وتقوم الهيئة القضائية بالنظر إلى الدعاوى وبإصدار قراراتها دون الحاجة الى حضور الأطراف المتخاصمة والاكتفاء بما تم تقديمه إلكترونيا. وهذا في الحقيقة سهل عملية التقاضي بالنسبة للقضاء والمتقاضين الذين بإمكانهم تقديم الدعاوى والطلبات على مدار الساعة ومن أي مكان فضلا عن حل مسألة الازدحام في قاعات المحكمة بسبب أعداد الحضور. وقد أثبتت التجربة خلال الأشهر الماضية أنها تجربة ناجحة لضمان استمرار المرفق القضائي في عمله بشكل مناسب وأداء واجباته على النحو القانوني الذي يريح الضمير. وأدى ذلك إلى ارتياح جزء كبير من المتقاضين والمحامين والنيابة العامة وغيرها من الجهات ذات الصلة بعمل المحاكم. لقد ساهمت تجربة التقاضي عن بعد بشكل ملموس في سرعة البت في المئات بل والآلاف من القضايا, واتخاذ القرارات خلال فترة قصيرة مما ساهم في سرعة وتيرة العمل في المحاكم وفي التنفيذ. صحيح انه مهما بذل من جهد في توفير العدالة عن بعد ومهما اجتهد السادة القضاة والطواقم الإدارية في أداء أعمالهم بالصورة المناسبة فإنه لا بديل عن المحاكم بصورتها المعتادة في بعض الدعاوى التي تتطلب حضورا شخصيا، ومع ذلك بينت التجربة التي عشناها خلال هذه الجائحة أنه بالإمكان مواصلة العمل بنظام التقاضي عن بعد من خلال استمرار العمل بهذا النظام وخصوصا القضايا المدنية والإدارية والتجارية حتى بعد زوال هذه الجائحة بعد اكتساب الجميع خبرة في التعامل عن بعد مع هذا النوع من الدعاوى لتحقيق الراحة للمتقاضين وتسهيل مسألة النظر في الدعاوى بالنسبة للقضاة بعيدا عن الإجراءات البيروقراطية المرهقة, فكل الشكر والتقدير لوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف ولأصحاب السعادة القضاة والموظفين الإداريين على جهودهم التي يبذلونها في سبيل تسهيل عمل المحاكم وتذليل الصعوبات والمعوقات والشكر موصول للذين يسهرون على نجاح هذه التقنيات المتطورة وضمان استمرارها.
مشاركة :