منذ انتهاء اللقاء الذي أجراه سمو ولي العهد مساء يوم الثلاثاء الماضي وهناك آلاف المقالات في الصحف العربية والدولية تقرأ في مضامين ذلك اللقاء المطول حيث كان سمو الأمير محمد بن سلمان كما عهده السعوديون والعرب مبهرا في المعرفة الدقيقة بكل تفاصيل شؤون بلاده بدءا من الرؤية ومشاريع التنمية وأرقام النمو السريع ونسب الإنجاز والتقدم وكذلك عمق النظرة الشاملة لمتطلبات الحياة داخل بلاده وقضية التنمية المستدامة وقوة المكانة التي وصلت إليها السعودية ولا أدل على ذلك من تسابق الدول والاقتصادات العالمية الكبرى لأن تكون شراكات استراتيجية معها. لكن أحببت في مقالي هذا أن أرد على بعض الأصوات التي خرجت هنا في واشنطن لتستغرب مازعموا أنه تحول في موقف السعودية من إيران والحق أن حوار الأمير محمد بن سلمان كان واضحا تمام الوضوح في أن تحقيق الاستقرار في المنطقة يكون بدون تنازل عن الثوابت حيث كان كلام ولي العهد بمثابة خارطة طريق لتحقيق السلام والاستقرار والازدهار لدول المنطقة بما فيها إيران، لكن ضمن أطر وثوابت ومحددات... ذلك أن سمو الأمير وإن أرسل رسائل إيجابية عديدة، أقام من خلالها جسورا لتحقيق الاستقرار والسلام بالمنطقة، فإنه رهن ذلك بتغيير إيران سلوكياتها السلبية. نعم.. فإن إيران بلد موجود في المنطقة والإمبراطورية الفارسية لها آلاف السنين وعلى الدوام كنا نطمح نحن العرب أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران، ولا نتمنى لها إلا الخير.. وهذا بوضوح ماظهر في قول سموه (لدينا مصلحة في استقرار إيران، ولكن الإشكالية في التصرفات السلبية لطهران في برنامجها النووي، وبرنامج صواريخها الباليستية، ودعمها لميليشيات خارجية وأن السعودية تنظر لإيران بوصفها دولة جارة، وتطمح لتكوين علاقات جيدة معها، لكن المشكلة هي سلوك طهران السلبي سواء عبر برنامجها النووي أو دعم ميليشيات خارجة عن القانون.).. بل إن سموه أوضح أن التعاون المشترك بن البلدين قد يدفع اقتصاد العالم للنمو عندما قال سموه "لا نريد أن يكون وضع إيران صعبا، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار".. انتهى كلام سموه. ولكن وكما نعرف جميعا فإن إيران لا تريد الازدهار لشعبها بقدر ما تطمح لنشر ميليشياتها الإرهابية في العالم بدءا من اليمن وليس انتهاء بكوبا وما بعد كوبا... ولا يغيب عن البال أن المملكة طالبت الجانب الحوثي بالجلوس إلى طاولة المفاوضات قبل أسابيع من هذا اللقاء التلفزيوني. المشكلة مع إيران هي أن سياسة نظام الملالي قامت على أساس وجود الدولة الرديفة والجيش الرديف كما هو حال الحرس الثوري الإيراني مع الجيش الإيراني وحال حزب الله مع الجيش اللبناني وبالتالي فإن فكرة الميليشيات المسلحة داخل الدولة أمر وإن قبلت به إيران فليس هناك من دولة في العالم تقبل بذلك وليست المملكة العربية السعودية فقط التي لا يمكنها قبول ميليشيا على حدودها ولذلك كانت إشارة ولي العهد في لقائه إلى الأمل أن يجلس الحوثيون على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حلول تكفل حقوق جميع اليمنيين وتضمن مصالح دول المنطقة". أما إذا قمنا بتوسيع (البيكار) كما عبارة كثير من ساسة لبنان فإن أي محادثات ممكنة يمكن أن تشكل حواراً إقليمياً تشتد الحاجة إليه، وليس مجرد مفاوضات ثنائية لنزع فتيل التوترات.. ولكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لن تساهم في أي لقاءات قادمة يمكن أن نشترط فيها نحن القوى العربية إعادة التزام الولايات المتحدة بدعم الرياض في مواجهة طهران أو في أي مبادرة دبلوماسية جديدة للمنطقة. لكن هناك درس مهم لنا بعد أن أيقنا أن الشرق الأوسط لا يشكل أولوية بالنسبة لإدارة بايدن إلا من أجل إيجاد طرق لتقليل التدخلات الأميركية هناك وهو أن هذه الرسالة دفعت القوى الإقليمية إلى الشروع في استكشاف الدبلوماسية مع خصومها والسؤال هنا هو هل ستقبل إيران أن تقطع تدخلاتها في شؤوننا الداخلية عبر أذرعها الإرهابية وتتقبل مواقف سمو ولي العهد بردود واضحة لا مكان للرجوع عنها.
مشاركة :