ما بين الماضي والحاضر حقبة تحوي بين طياتها الآلام، الجوع، الفقر، وظلم المجتمع، في هذه الحقبة فتاتان ترعرعتا على الأرصفة، كبرتا من تجاربهما القاسية قبل أن توجههما إلى الميتم، كانتا عصابة جبارة، تستمدان قوتهما من بعضهما بعضا، إلى أن انطلقتا نحو الرفاهية، لكن على الرغم من انقلاب حياتهما رأسا على عقب، إلا أن منظورات الزمن القاسي الذي عاشتا فيه، ما زال يؤثر في قراراتهما وتصرفاتهما بدرجة كبيرة، فيتذكران الماضي ويواجهان الحاضر المتخبط، لكن كيف يمكن لهما السفر مع الزمن دون الالتفات نحو الماضي؟ يلاحقن الأثرياء في تلك الحقبة تعيش كل من سحر التي تؤدي دورها الممثلة ماغي أبو غصن، وريم، التي تؤدي دورها النجمة دانييلا رحمة. ثنائي لمع في المسلسل الرمضاني المشترك «للموت»، وهو يعد العمل الثاني لهما سويا، حيث لعبتا دور البطولة سابقا في مسلسل «أولاد آدم»، لكن في "للموت"، اللعبة جاءت أكثر إتقانا، سحر هي امرأة لعوب تتسبب في عديد من المشكلات للأشخاص من حولها، أما ريم التي قامت بصبغ شعرها باللون الأحمر ليتناسب مع شخصيتها في المسلسل، فهي امرأة تعيش حياة خاطئة ليست بإرادتها، بل فرضت عليها، تقوم الاثنتان بعد خروجهما من الميتم بملاحقة الأثرياء والإيقاع بهم، تتزوجان ثم تتطلقان بعد حصولهما على النفقة، لكن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن، فعندما وقع اختيار ريم على هادي، يؤدي دوره الفنان السوري محمد الأحمد، الذي أبدع في تقديم شخصية رومانسية مغايرة جدا لشخصية آدم التي قدمها في مسلسل «عروس بيروت» التي ظهر فيها كشخص مضطرب يعاني مشكلات نفسية نتيجة طفولة قاسية، بدأت ريم بالتغيير وكأن التوبة والعيش في حياة هانئة مع هادي أصبحت خيارها الذي تطمح إليه. التوبة بعد الحب بدأت خيوط الحبكة تتغير مع تغيير ريم في حين سحر تحاول إخراجها من نفق الغرام وإبقاءها في حياة «اللعوب»، فتزوجت من شقيق هادي الذي يدعى باسل، ويؤدي دوره الفنان السوري خالد القش وتحاول هي الأخرى سحب أمواله. المنافسة بينهما شرسة خاصة مع وجود عمر، الذي يؤدي دوره الممثل باسم مغنية، الذي ما زال منذ «ثورة الفلاحين» يقفز خطوات كبيرة بلا أي كابح، يؤدي دوره بكل إتقان، فهو الشاب المغروم بـريم حتى الموت، يحاول استرجاعها، لكنه يفشل، وتتطور الصراعات بين الجميع وتبدأ الأحداث المشوقة والغامضة بالتوارد في حبكة متقنة للكاتبة نادين جابر. بين الفقر والغنى وفي خط مواز، يلقي المسلسل الضوء على حكايات أهل الحي الفقير الذي عاشت فيه سحر وريم، وتفاصيل حياة كل من يقطنه، فمحمود، يؤدي دوره الفنان وسام صباغ، وهو شاب متعلم لا يجد لدراسته موطئا يستفيد منه وظيفيا، فترزح طموحاته تحت وطأة الواقع ومقصلته. فمحمود، خريج المحاسبة والابن الوحيد لأبويه، ستوهنه متطلبات الحياة، من طعام ومصاريف وجهاز التنفس الخاص بوالده وتكاليف شرائه أو استبداله الباهظة الثمن، هذا الشخص الخلوق واللطيف الذي يهرول وراء رزقه من أجل والديه أصبح شخصا مجرما، بعدما لجأ مكرها لإخراج والده من المستشفى ودفع تكاليف علاجه، إلى سرقة سيارة وتفكيكها وبيع قطعها. لا أدوار ثانوية أما الزوجان ساريا، تؤدي دورها الممثلة كارول عبود، وأمين، يؤدي دوره الممثل فادي أبو سمرا، قدما نموذجا للعائلة المتهالكة والمتضعضعة، لديهما فتاة يريدان تزويجها وهي قاصر للحصول على مبلغ مالي، يعملان عند ريم كطباخة وسائق، وهنا يتم تصوير العائلة الفقيرة التي تعيش في حي شعبي وتلتقط رزقها من هنا وهناك والعائلة الغنية التي يعيش فيها ريم وسحر. إن جميع شخصيات الحي الفقير مهدت الطريق للدخول إلى عالم الأغنياء، فكانوا جميعهم أبطالا ولهم أدوار رئيسة، وهذا يسجل للمسلسل نقطة إيجابية، حيث أثبتت جميع الشخصيات وجودها ومقدرتها الأدائية بقدر يوازي أداء الشخصيات الرئيسة. دور فكاهي أما الدور الأبرز والفكاهي، فهو للطفلة خلود، تلك الطفلة التي أبدعت في حركاتها وحديثها، وهي طفلة منزلها الأرصفة وقوتها من العالم، قوية ولديها عبارات تجعل المشاهد يبتسم من شدة قوتها، تعابير وجهها تبشر بمستقبل واعد لها، وعلى الرغم من أنها طفلة «تتسول» على الطرقات إلا أنها أعطيت دورا لا بأس به، فهي التي كانت تساعدها ريم، ومن ثم أخذتها إلى مديرة الميتم الذي ترعرعت فيه لإعطائها فرصة الحياة من جديد، كانت ريم تنظر إليها بعيون دامعة كأنها ترى ماضيها من خلال عيون خلود. عدسة باهرة للمخرج ما لا شك فيه أن النجاح لا يقتصر على الحبكة والأداء، بل إن عدسة المخرج فيليب أسمر كان لها دور بارز في اندماج المشاهد مع الشاشة، لقد استخدم اللقطات القريبة عندما كان يركز على سحر وريم وحركات وجهيهما، أما تصوير الحي الشعبي فكان متوافقا مع القصة إلى حد كبير، من الأرصفة إلى المنازل والأثاث، جميعها أعطت انطباعا حقيقيا عن الواقع الذي يعيشونه، كما أن الانتقال بين عالمين متناقضين كان مدروسا بأدق التفاصيل، وعلى الرغم من التطويل في الأحداث، وطغيان عنصر الغموض على القصة، فإن أسمر، وعبر كاميراته المختلفة، استطاع نقل المشاهد إلى عوالم المسلسل، وإظهار تقنيات مختلفة في التصوير، بما أن الأماكن الظاهرة فيه تعبر عن تناقض واضح بين عالم الفقر المدقع وبين عالم الرفاه، فكان ينقل عدسته من فيلا ضخمة تتناثر حولها الثلوج، ثم يذهب بنا بعدها إلى أحياء معدمة فقيرة، تتحدث عن القلة، في المسلسل أيضا انتقال إلى الأراضي التركية، مع سفر بطله محمد الأحمد، ليلتقي هناك بماغي أبوغصن وتنشأ بينهما علاقة عاطفية، ومع هذا الانتقال، لا يكتفي أسمر، حتى ضمن الأماكن المغلقة كالفندق مثلا، بأن ينقل صورة ضيقة من هناك، بل حرص على أن تنقل لنا الغرف وعبر واجهاتها الزجاجية الضخمة، أجواء إسطنبول، وثلوجها. فكان يضع في أولوياته جماليات الأمكنة وتفاصيلها، ليضيف من خلال هذه التقنية لمسة سحرية خاصة إلى الحبكة الدرامية. شارة للموت تحصد 5 ملايين مشاهدة تجدر الإشارة إلى أن شارة مسلسل للموت أداها المغني السوري ناصيف زيتون وتقول كلماتها، «أوقات القلب اللي بيوقف بدو صدمة لتمشيه، وأوقات القلب اللي بيضعف بدو خيانة لتقويه»، في إشارة إلى العناوين العريضة للأحداث الدرامية التي تخللتها الخيانة والغدر والدروس القاسية في الحياة، والأغنية من كلمات مازن ضاهر وألحان أحمد بركات، وبعد نشرها بأسبوع على موقع يوتيوب حصلت الأغنية على نحو خمسة ملايين مشاهدة.
مشاركة :