عشية استئناف المفاوضات النووية في فيينا، رفض المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بعد اجتماع ساخن، المقترح الأميركي الذي توقفت عنده المحادثات، والقاضي برفع جزء مهم من العقوبات الأميركية لا جميعها، في خطوة أظهرت حدة الاتقسامات الداخلية الإيرانية، في وقت تقول إدارة الرئيس جو بايدن إن الوقت لا يزال مبكراً جداً على التوصل إلى اتفاق. كشف مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ «الجريدة» أن اجتماعاً استثنائياً، عقده المجلس مساء أمس الأول، تمخّض عن رفض مقترح أميركي حمله رئيس الوفد الإيراني المفاوض في فيينا عباس عراقجي، ينص على قيام واشنطن برفع العقوبات عن إيران بـ «التقسيط». وذكر المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن المقترحات التي حملها عراقجي تتضمن قيام واشنطن بالإفراج عن جزء من الأموال الإيرانية المجمدة خارج البلاد، لا رفع العقوبات بشكل كامل وعملي كما تطالب طهران. وأشار إلى أن الأميركيين يعرضون رفع بعض العقوبات أو تعليقها بشكل تراتبي حسب أهمية العقوبات التي تحددها اللجان الفنية المجتمعة في فيينا حالياً، الأمر الذي يعني إطالة المباحثات وإدخال إيران في «دوامة مفاوضات». ولفت المصدر إلى أن مجموعة دول «1+4» تصرّ على ضرورة جلوس طهران وواشنطن على طاولة واحدة بعد المرحلة الأولى من رفع أو تعليق العقوبات التي يمكن اعتبارها «مبادرة حسن نية»، ويطالبون طهران بالكفّ عمّا يصفونه بـ «التعنت» ورفض الحوار المباشر مع إدارة الرئيس بايدن، وهو ما يتعارض مع اشتراط طهران تضمين المرحلة الأولى رفع كامل وعملي للعقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قبل الانخراط بأي محادثات مباشرة مع البيت الأبيض. ووصف المقترح الذي أتى به عراقجي بالمسكّن الذي تريد واشنطن منحه لحكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني لكسب الوقت، قبيل الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 18 يونيو المقبل، لكي تتضح لها رؤية الحكومة المقبلة. وأكد أن الأميركيين لا يريدون رفع العقوبات بشكل كامل، بل تعليق قسم من العقوبات المصرفية والتجارية والتأمينية والنفطية، الأمر الذي سيعيد إيران إلى المشاكل التي واجهتها بعد إبرام الاتفاق النووي عام 2015، حيث تقوم بتصدير البضائع والنفط للخارج، وتنتظر أن تسترد أموالها التي تظل مهددة بإمكانية تراجع واشنطن عن تعليق العقوبات وتجميدها. وتحدث المصدر عن تسبب تلك الوضعية في نفور أغلب الشركات وعدم رغبتها في التعامل مع الحكومة الإيرانية التي ستكون تحت تهديد تعليق العقوبات. ورأى أن الأميركيين يطالبون طهران بالتراجع عن خطوات مهمة جداً في برنامج تخصيب اليورانيوم مقابل فتات من الأموال التي تمنّى بها السلطات الإيرانيين. وشدد على أن واشنطن ترفض حتى إيقاف قوانين مثل قانون «داماتو» الذي يمنع استثمار أكثر من 20 مليون دولار في الاقتصاد الإيراني، على اعتبار أن القانون يتعلّق بدعم إيران لمنظمات تصنفها الولايات المتحدة إرهابية وليس الموضوع النووي، الأمر الذي يعقد رفع العقوبات، لأنّه حتى إذا تم رفع كل العقوبات مع وجود هذا القانون يعني أن الشركات الأجنبية لن تستطيع الاستثمار في مشاريع تزيد على 20 مليون دولار بإيران. وأوضح المصدر أن الأميركيين زادوا شرطاً جديداً، ترفضه طهران أيضاً، وهو أن إيران يجب أن تقوم بحلّ خلافاتها مع جيرانها من حلفاء الولايات المتحدة عبر «حوار بنّاء ونتائج ملموسة»، وهو ما يعني أن رفع العقوبات سيرهن بمسار العلاقات الإيرانية السعودية والإيرانية العربية. وأفاد بأن المجلس أبلغ عراقجي أنه إذا استمر الوضع على هذا المنوال، فإن الفريق الإيراني سيتحتم عليه الانسحاب من مفاوضات فيينا، ولن يستمر بإضاعة الوقت، لأن الأطراف المقابلة يتصورون أن إيران محشورة في الزاوية بسبب الانتخابات، في حين أن «جماعة خاصة فقط محشورة» بسبب الانتخابات، في إشارة إلى معسكر التيار المعتدل بزعامة روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. خلافات واتهامات من جانب آخر، شهد الاجتماع تلاسنا حادا بين مندوبي الحكومة و«الحرس الثوري» بسبب التصريحات المسربة لظريف واتهام الحكومة لـ «الحرس» بتشكيل حكومة موازية وقيامه بتجاوز صلاحيته عبر بدء مفاوضات مع دول الجوار دون علم أو تنسيق مع وزارة الخارجية أو الحكومة. وأشار المصدر إلى أن قضية تبادل إطلاق سراح سجناء أميركيين وبريطانيين وإيرانيين، إضافة إلى فك تجميد جزء من الأموال الإيرانية واجه عراقيل بعد انكشافه، رغم أنه كان متفقا أن يكون سرياً ولا يتم ربط موضوع فك الأرصدة الإيرانية بقضية الإفراج عن السجناء، لأن المسؤولين بواشنطن ولندن سيواجهون اتهامات داخلية بأن التسوية تضمنت «دفع فدية». تلميح ومشاكل وعشية استئناف الجولة الرابعة من اجتماعات فيينا الرامية إلى إعادة إيران والولايات المتحدة لتطبيق الاتفاق النووي المبرم عام 2015، كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أن هناك خلافات عدة بين طهران وواشنطن، معتبرا أن بعض المواقف الأميركية في العاصمة النمساوية غير مقبولة. وتعليقا على ما أعلنته أمس الأول مصادر مطلعة لتلفزيون «برس تي في» الحكومي، وجه المتحدث وابلا من الانتقادات، معتبراً أن ما نقلته القناة الرسمية أخبار مزیفة وتحریفات، نافياً وجود أي مصدر مطلع في وزارة الخارجية قدّم معلومات مماثلة. كما شدد على أنه لو «أصرت الولايات المتحدة على إبقاء العقوبات المشددة ضد بلاده، لكانت المحادثات قد توقفت الآن». في غضون ذلك، قال الرئيس الإيراني إن العقوبات التي فرضها ترامب على بلاده فشلت وسترفع قريباً. وأضاف روحاني أنه «بصفتي رئيس الحكومة أقول للناس: إن العقوبات فشلت وسترفع قريباً إذا اتحدنا جميعاً؛ لأنّ الطرف الآخر يعلم أنه لا يوجد سبيل آخر سوى الوفاء بالالتزامات والعودة إلى الاتفاق النووي». وتابع: «إن ما فعله مفاوضونا في مجال العقوبات بفيينا عمل عظيم، وإذا امتثل الطرف الآخر للقانون بشكل كامل، ستنتهي المفاوضات، وسيمضي عملنا والتزامنا بالاتفاق في الإطار الصحيح، وسيرى الشعب الإيراني ثمرة مثابرته وصبره ومقاومته في فيينا». على صعيد منفصل، قال محامو الدبلوماسي الإيراني أسد الله الأسدي إنه قرر عدم الطعن على حكم بسجنه 20 عاما في بلجيكا لاتهامه بالتخطيط لتفجير اجتماع للمعارضة الإيرانية في فرنسا، وإنه سيقضي فترة حبسه.
مشاركة :