القراءة تغرس أسس التقدم

  • 9/28/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

منّي بونعامة: كثيراً ما نصاب بخيبة الأمل والإحباط والقلق، كلما أمعنا النظر في واقع القراءة على مستوى الوطن العربي، وقارنا بينه وبين واقع العالم المسكون بحب القراءة، لأنه يدرك حقاً قيمتها ودورها في رقيّه وازدهاره. أمة لا تقرأ، هي أمة خارج سياق الحضارة والتاريخ، بمعزل عما يدور في العالم، لأن القراءة، ببساطة شديدة، هي سلّم رقيّ الأمم وبها يقاس مستوى نهوضها وتقدّمها، وهي أداة المعرفة والانفتاح على الآخر ووسيلة ناجعة لصقل المواهب وتنمية المدارك وتقوية الخبرات واللحاق بركب الأمم المتطورة والشعوب المتحضرة. هنا تكمن أهمية المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بعنوان: تحدي القراءة العربي لكونها تمثّل تشخيصاً دقيقاً للواقع العربي، وسبراً عميقاً لأغواره، ورؤية متكاملة وتحليلاً وافياً لأزماته وعلاّته، التي يتصدّر أسبابها قلة، إن لم يكن، انعدام القراءة وشغف المطالعة وحب المعرفة. وقد لامست هذه المبادرة صلب الأزمة وعمق المشكلة التي تعاني منها الأمة في راهنها، وربما، في مستقبلها، إذا لم يتم التنبه لذلك، وفيها نظر حصيف ورؤية ثاقبة وفكر مستنير وأفق مستقبليّ منظور لن يخطأ صاحبه. يقول سموه في تشخيصه آثار تراجع معدل القراءة في الوطن العربي: العالم العربي اليوم يمر بأزمة قراءة ومعرفة والأرقام التي نسمعها في هذا المجال صادمة.. نحن من أقل المناطق في العالم من حيث القراءة.. ونتائج ذلك التأخر المعرفي نراه كل يوم في التأخر الحضاري والفكري لمنطقتنا، وهذا التحدي اليوم هو خطوة أولى نتمنى أن يكون لها تأثيرها على المدى البعيد في إصلاح هذا الخلل. ويستظهر سموه بأهمية القراءة ودورها في تحقيق التوازن الحضاري والانفتاح المعرفي، قائلاً إن القراءة هي مفتاح المعرفة.. والمعرفة هي مفتاح النهضة الحضارية وتعزيز الانفتاح المعرفي والثقافي يبدأ من الطفولة وغرس حب القراءة في نفوس الصغار هو غرس لأسس التقدم والتفوق لبلداننا.. لأن القراءة تفتح العقول وتوسع المدارك وتزيد الفضول وترسخ قيم الانفتاح والاعتدال وتسهم في التفوق العلمي والحضاري. التلازم بين القراءة والتطور هو المعيار والمنظار الذي ينظر من خلاله سموه لبناء جيل المستقبل، جيل يتسلح بالعلم والمعرفة لمواجهة ومجابهة أي تحدٍ مرتقب، وبما أن الطلاب هم شمعة الغد المشرق والأمل الواعد، فلذلك كان التركيز عليهم في هذه البادرة المهمة من أجل الارتقاء بالتعليم إلى أعلى المستويات، يقول سموه: نحن اليوم نضع هذا التحدي أمام الميدان التعليمي العربي وأمام الآباء والأمهات العرب وأمام الأطفال والشباب العرب وكلنا ثقة وإيمان بقدرتهم على تحقيق الهدف. وتأتي المبادرة لتعزّز جانباً محورياً في أجندة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي آمن المؤسس الراحل القائد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بضرورة العلم والتعليم ونشر المعرفة في صفوف المواطنين، وهي خطوة تتبعها خطوات ومبادرة تتبعها مبادرات غايتها بناء إنسان الغد وتطوير مهاراته، يقول سموه: على مستوى دولة الإمارات أكدنا دائماً أهمية القراءة ومهارات اللغة العربية وتم أيضا وضعها ضمن مؤشرات الأجندة الوطنية في دولة الإمارات وصولاً للعام 2021.. ولا شك أن طلابنا لديهم ضعف واضح في هذا الجانب. إن الغاية السامية التي يسعى سموه إلى تحقيقها من خلال هذه المبادرة هيتخريج جيل مبتكر يقود دولة الإمارات نحو مستقبل واعد يتحقق بغرس حب القراءة وشغف البحث والاطلاع منذ البداية في نفوس أطفالنا في مدارسنا وكلي ثقة وإيمان بأن ميداننا التربوي والتعليمي قادر على المشاركة بكفاءة وعلى تعزيز وغرس هذه المهارة وترسيخها في نفوس أبنائنا وبناتنا. وتعدّ المبادرة أكبر مشروع يهدف إلى ترسيخ قيم القراءة وتشجيع الطلاب وتحفيز المؤسسات على الارتقاء بها، لأن القراءة، كما يقول سموه، هي مفتاح المعرفة.. والمعرفة هي مفتاح النهضة الحضارية وتعزيز الانفتاح المعرفي والثقافي يبدأ من الطفولة وغرس حب القراءة في نفوس الصغار هو غرس لأسس التقدم والتفوق لبلداننا. إن أهداف المبادرة وآلياتها وخطتها المستقبلية ومداها تشي، كلها، بأفق أكثر تفاؤلاً، من المأمول أن يؤتي أكله، ويعمل على تعزيز ثقافة المطالعة في وعي الطلاب، ويسهم في إخراج الأمة العربية من التخبط في غياهب الجهل والأمية وبخاصة في وقت تسجّل فيه المؤسسات المختصة تراجعاً مخيفاً لمعدلات القراءة على مستوى الوطن العربي، بل إن تقرير اليونسكو في اليوم العالمي للأمية يرصد أرقاماً مخيفة على مستوى العالم العربي والعالم، حيث تؤكد إجمالاً أن هناك زهاء 793 مليون راشد يفتقرون إلى الحد الأدنى من مهارات القراءة. الحق أننا فعلاً أمام تحدي القراءة، وهو أمر مصيري، بلا ريب، يرتبط بالمنظومة الثقافية والمعرفية والتربوية والتعليمية والأسرية ومستقبل الأمة العربية بشكل عام، فكم نقرأ مما ينشر سنوياً؟ وكم نطالع، سواء من كتب الاختصاص أو الدراسة أو الثقافة العامة، شهرياً؟ وكم نشتري ونقتني مجاملة من الكتب ونتركها حبيسة الرفوف، وكم من كتب ما تزال تحتفظ بأغلفتها البلاستيكية التي خرجت بها من المطبعة لم تجد من يقرؤها؟ وأخرى مهملة قابعة في الغبار والأتربة على رفوف المكتبات العامة والخاصة، حالة يندى لها الجبين، والأدهى والأمر من ذلك عندما تسأل شخصاً مثقفاً كم كتاباً تقرأ في الشهر، بل في السنة كلّها، حينها لك أن تتوقع مستقبل الأمة من إجابته الصادمة والمحرقة، فكيف بالأشبال والصغار والبراعم الذين لم يألفوا الحياة بعد أحرى بالقراءة؟ إن واقع القراءة في الوطن العربي واقع يرثى، للأسف الشديد، ويستدعي تضافر كافة الجهود من أجل خلق مجتمع قارئ وواعٍ وناهض وقادرٍ على تحقيق التنمية المستدامة، لذلك تدخل مبادرة سموه في الصميم وعليها تُعلق الآمال في الارتقاء بالقراءة ونشر المعرفة وسعادة الإنسان. وتعتبر فكرة التحدي الذي ترتكز عليه المبادرة فكرةً جديدةً وفريدةً من نوعها على مستوى الوطن العربي والعالم، كما تحيل مضامين المبادرة بما تشمله من خطوات ومستويات لتطبيق المبادرة، إلى مضمونها الغني والثري الذي يسهم في تطوير مستويات الطلاب، فضلاً عن نظامها المتكامل للحوافز والمكافآت المالية والتشجيعية للطالب الفائز وأسرته، والمدارس والمشرفين المتميزين على مستوى الوطن العربي، بالإضافة إلى مكافآت مختلفة للطلاب. إن تفرّد هذه المبادرة وتكاملها ونبل أهدافها ومقاصدها تشكّل مجتمعة عوامل جذب وتحفيز لكافة المعنيين على المشاركة فيها، وإحراز التميّز المطلوب، وهنا يجدر التأكيد على ضرورة التعاون من أجل تحقيق الأهداف السامية التي رسمها صاحب السمو لما فيها من صلاح البلاد والعباد.

مشاركة :