توقفت شهرزاد في الحلقة السابقة، عند حكاية تاج الملوك وإعجابه بابنة ملك جزائر الكافور، صاحبة صور الغزال على القماشة الملونة، بعد سماعه عنها من عزيز، وتستكمل في هذه الحلقة قصة سفره إلى بلادها باحثا عنها، راغباً في لقائها، بعدما رفضت عرض الزواج به أو بغيره من الرجال، فيتخفى في زي تاجر أقمشة، ويحتال للقاء بها، ومعرفة سر عزوفها عن الزواج. ولما كانت الليلة الرابعة بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن والد تاج الملوك قال له: يا ولدي إن أباها ملك وبلاده بعيدة عنا فدع عنك هذا، وادخل قصر أمك فإن فيه خمسمئة جارية كالأقمار، فمن أعجبتك منهن فخذها، وإن لم تعجبك منهن نخطب بنتاً من بنات الملوك تكون أحسن من السيدة دنيا، فقال له: يا والدي لا أريد غيرها، وهي التي صورت صورة الغزال التي رأيتها فلا بد منها، وإلا أهجج في البراري، وأقتل روحي بسببها، فقال له: يا ولدي أمهلني حتى أرسل إلى أبيها وأخطبها منه، وأبلغك المرام مثل ما فعلت لنفسي مع أمك، وإن لم يرض زلزلت عليه مملكته وجردت عليه جيشاً يكون آخره عندي وأوله عنده، ثم دعا الشاب عزيز، وقال: يا ولدي هل تعرف الطريق? قال: نعم. قال له: أشتهي منك أن تسافر مع وزيري فقال له: سمعاً وطاعة. سفر الوزير ثم جهز عزيز مع وزيره وأعطاهم الهدايا فسافروا أياماً وليالي إلى أن أشرفوا على جزائر الكافور، فأقاموا على شاطئ نهر وأنفذ الوزير رسولاً من عنده إلى الملك ليخبره بقدومهم، وبعد ذهاب الرسول بنصف يوم لم يشعر إلا وحجاب الملك وأمراؤه قد أقبلوا عليهم، ولاقوهم من مسيرة فرسخ فنقلوهم وساروا في خدمتهم إلى أن دخلوا بهم على الملك، فقدموا له الهدايا وأقاموا عنده أربعة أيام، وفي اليوم الخامس قام الوزير ودخل على الملك ووقف بين يديه وحدثه بحديثه وأخبره بسبب مجيئه، فصار الملك متحيراً في رد الجواب، لأن ابنته لا تحب الزواج وأطرق برأسه إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه إلى بعض الخدام، وقال له: اذهب إلى سيدتك دنيا وأخبرها بما سمعت وبما جاء به هذا الوزير، فقام الخادم وغاب ساعة ثم عاد إلى الملك، وقال له: يا ملك الزمان لما دخلت على السيدة دنيا أخبرتها بما سمعت فغضبت غضباً شديداً، ونهضت علي بمسوقة وأرادت كسر رأسي ففررت منها هارباً، وقالت لي: إن كان يغصبني على الزواج فالذي أتزوج به أقتله، فقال أبوها للوزير وعزيز سلما على الملك وأخبراه بذلك، وإن ابنتي لا تحب الزواج. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. رفض الزواج وفي الليلة الخامسة بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أنه عندما رجع الوزير ومن معه من غير فائدة، وما إن دخلوا على الملك وأخبروه، فعند ذلك أمر النقباء أن ينبهوا العسكر إلى السفر من أجل الحرب، فقال له الوزير: لا تفعل ذلك فإن الملك لا ذنب له، وإنما الامتناع من ابنته، فإنها حين علمت بذلك أرسلت تقول: إن غصبني على الزواج أقتل من أتزوج به وأقتل نفسي بعده، فلما سمع الملك كلام الوزير خاف على ولده تاج الملوك، وقال: إن حاربت أباها وظفرت بابنته قتلت نفسها، ثم إن الملك أعلم ابنه تاج الملوك بحقيقة الأمر، فلما علم بذلك قال لأبيه: يا والدي أنا لا أطيق الصبر عنها فأنا أروح إليها وأتسبب في اتصالي بها، ولو أموت ولا أفعل غير هذا، فقال له أبوه: وكيف تروح? فقال: أروح في صفة تاجر، فقال الملك: إن كان ولا بد فخذ معك الوزير وعزيز، ثم إنه أخرج شيئاً من خزانته وهيأ له متجراً بمئة ألف دينار واتفقا معه على ذلك. نحيب تاج الملوك فلما جاء الليل ذهب تاج الملوك وعزيز إلى منزل الوزير وباتا هناك تلك الليلة، وصار تاج الملوك مسلوب الفؤاد ولم يطب له أكل ولا رقاد، بل هجمت عليه الأفكار وغرق منها في بحار، وهزه الشوق إلى محبوبته فأفاض دمع العين، وأنشد هذين البيتين: ترى هل لنا بعد البعاد وصول فأشكو إليكم صبوتي وأقـول تذكرتكم والليل ناء صباحـه وأسهرتموني والأنام غفـول فلما فرغ من شعره بكى بكاءا شديداً، وبكى معه عزيز وتذكر ابنة عمه، وما زالا يبكيان إلى أن أصبح الصباح، ثم قام تاج الملوك ودخل على والدته وهو لابس أهبة السفر فسألته عن حاله فأخبرها بحقيقة الأمر فأعطته خمسين ألف دينار ثم ودعته وخرج من عندها ودعت له بالسلامة والاجتماع بالأحباب، ثم دخل على والده، واستأذنه أن يرحل فأذن له وأعطاه خمسين ألف دينار، وأمر أن تضرب له خيمة وأقاموا فيها يومين ثم سافروا، واستأنس تاج الملوك بعزيز، وقال له: يا أخي أنا ما بقيت أطيق أن أفارقك، فقال عزيز: وأنا الآخر كذلك، وأحب أن أموت تحت رجليك، ولكن يا أخي قلبي اشتغل بوالدتي، فقال له تاج الملوك: لما نبلغ المرام لا يكون إلا خير، وكان الوزير قد وصى تاج الملوك بالاصطبار وصار عزيز ينشد له الأشعار ويحدثه بالتواريخ والأخبار، ولم يزالوا سائرين بالليل والنهار مدة شهرين فطالت الطريق على تاج الملوك، واشتد عليه الغرام، وزاد به الوجد والهيام، فلما قربوا من المدينة فرح تاج الملوك غاية الفرح وزال عنه الهم والترح، ثم دخلوها وما زالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى سوق البر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. سوق البر وفي الليلة السادسة بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أنهم لما دخلوا عند التجار سألوا عن دكان شيخ السوق فدلوهم عليه، فتوجهوا إليه، فلما قربوا قام إليهم هو ومن معه من التجار وعظموهم خصوصاً الوزير، فإنهم رأوه رجلاً كبيراً مهيباً ومعه تاج الملوك وعزيز، فقال التجار لبعضهم: لا شك أن هذا الشيخ والد هذين الغلامين، فقال الوزير: من شيخ فيكم? فقالوا ها هو، فنظر إليه الوزير وتأمله فرآه رجلاً كبيراً صاحب هيبة ووقار وخدم وغلمان، ثم إن شيخ السوق حياهم تحية الأحباب وبالغ في إكرامهم وأجلسهم جنبه، وقال لهم: هل لكم حاجة نفوز بقضائها? فقال الوزير: نعم إني رجل كبير طاعن في السن، ومعي هذان الغلامان وسافرت بهما سائر الأقاليم والبلاد، وما دخلت بلدة إلا أقمت بها سنة كاملة حتى يتفرجا عليها ويعرفا أهلها، وإني قد أتيت بلدكم هذه واخترت المقام فيها، وأشتهي منك دكاناً تكون من أحسن المواضع حتى أجلسهما فيها ليتاجرا أو يتفرجا على هذه المدينة، ويتخلقا بأخلاق أهلها، ويتعلما البيع والشراء والأخذ والعطاء، فقال شيخ السوق: لا بأس بذلك. داخل الدكان ثم نظر إلى الولدين وفرح بهما وأحبهما، بعد ذلك سعى وهيأ لهما الدكان، وكانت في وسط السوق ولم يكن أكبر منها ولا أوجه منها عندهم، لأنها كانت متسعة مزخرفة فيها رفوف من عاج وأبنوس، ثم سلم المفاتيح للوزير، وقال: جعلها الله مباركة على ولديك، فلما أخذ الوزير مفاتيح الدكان توجه إليها والغلامان ووضعوا فيها أمتعتهم، وأمر غلمانهم أن ينقلوا إليها جميع ما عندهم من البضائع والقماش، وكان ذلك يساوي خزائن مال، فنقلوا جميع ذلك إلى الدكان، وقال شيخ السوق للوزير أبقاهما الله لك، لقد حلت في مدينتنا البركة والسعود بقدومكم وقدوم أتباعكم، ثم أنشد هذين البيتين: أقبلت فاخضرت لدينا الربا وقد زهت بالزهر للمجتلى ونادت الأرض ومن فوقها أهلاً وسهلاً بك من مقبلِ فشكروه على ذلك، ثم أكلوا وشربوا وباتوا تلك الليلة في منزلهم، في أتم ما يكون من الحظ والسرور، فلما أصبح الصباح قاموا من نومهم وتوضأوا وصلوا فرضهم وأصبحوا، ولما طلع النهار وفتحت الدكاكين والأسواق خرجوا من المنزل وتوجهوا إلى السوق وفتحوا الدكان وكان الغلمان قد هيأوها أحسن هيئة وفرشوها بالبساط الحرير ووضعوا فيها مرتبتين، كل واحدة منهما تساوي مئة دينار، وجعلوا فوق كل مرتبة نطفاً ملوكياً دائره من الذهب. رواج فجلس تاج الملوك على مرتبة، وجلس عزيز على الأخرى، والوزير في وسط الدكان، ووقف الغلمان بين أيديهم وتسامعت بهم الناس فازدحموا عليهم وباعوا بعض أقمشتهم، وشاع ذكر تاج الملوك في المدينة، واشتهر فيها خبر حسنه وجماله وكرم أخلاقه، ثم أقاموا على ذلك أياماً، وفي كل يوم تهرع الناس إليهم فأقبل الوزير على تاج الملوك وأوصاه بكتمان أمره وأوصى عليه عزيز، ومضى إلى الدار ليدير أمراً يعود نفعه عليهم، وصار تاج الملوك وعزيز يتحدثان، وصار تاج الملوك يقول عسى أن يجيء أحد من عند السيدة دنيا، ومازال تاج الملوك على ذلك أياماً وليالي وهو لا ينام وقد تمكن منه الغرام، وزاد به النحول والأسقام حتى حرم لذيذ المنام، وامتنع عن الشراب والطعام، فبينما تاج الملوك جالس إذا بعجوز أقبلت عليه، وتقدمت إليه وخلفها جاريتان وما زالت ماشية حتى وقفت على دكان تاج الملوك، فرأت قده واعتداله، ثم دنت منه وسلمت عليه فرد عليها السلام، وقام لها واقفاً على الأقدام، وابتسم في وجهها، هذا كله بإشارة عزيز، ثم أجلسها إلى جانبه، وصار يروح عليها إلى أن استراحت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. رسول الغرام وفي الليلة السابعة بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: إن العجوز قالت لتاج الملوك: يا ولدي هل أنت من هذه الديار? فقال تاج الملوك بكلام فصيح عذب مليح: والله يا سيدتي ما دخلت هذه الديار إلا هذه المرة ولا أقمت فيها إلا على سبيل الفرجة، فقالت: لك الإكرام من قادم على الرحب والسعة، ما الذي جئت به معك من القماش، فأرني شيئاً مليحاً فإن المليح لا يحمل إلا المليح، فلما سمع تاج الملوك كلامها خفق قلبه ولم يفهم معنى كلامها، فغمزه عزيز بالإشارة، فقال لها تاج الملوك: عندي كل ما تشتهين من الشيء الذي لا يصلح إلا للملوك وبنات الملوك، فلمن تريدين حتى أقلب عليك ما يصلح لأربابه، وأراد بذلك الكلام أن يفهم معنى كلامها، فقالت له: أريد قماشاً يصلح للسيدة دنيا بنت الملك شهرمان، فلما سمع تاج الملوك ذكر محبوبته فرح فرحاً شديداً، وقال لعزيز: ائتني بأفخر ما عندك من البضاعة فأتاه عزيز ببقجة وحلها بين يديه، فقال لها تاج الملوك: اختاري ما يصلح لها فإن هذا الشيء لا يوجد عند غيري، فاختارت العجوز شيئاً يساوي ألف دينار، وقالت: بكم هذا? فقال لها: وهل أساوم مثلك فيه، فقالت: يا ولدي ما الاسم? قال: اسمي تاج الملوك، فقالت: إن هذا الاسم من أسماء الملوك، ولكنك في زي التجار، فقال لها عزيز: من محبته عند أهله ومعزته عليهم سموه بهذا الاسم، فقالت العجوز: صدقت كفاكم الله شر الحساد، ثم أخذت القماش ومضت، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا، وقالت لها: يا سيدتي جئت لك بقماش مليح، فلما رأته السيدة دنيا قالت لها: يا دادتي إن هذا قماش مليح، ثم قالت: هات القماش حتى أبصره جيداً، فناولتها إياه فنظرته ثانياً فرأته شيئاً قليلاً وثمنه كثيراً، وتعجبت من حسن ذلك القماش لأنها ما رأت في عمرها مثله، فقالت لها العجوز: يا سيدتي لو رأيت صاحبه لعرفت أنه أحسن ما يكون من الكرم. إعجاب دنيا فقالت لها السيدة دنيا: هل سألتِه إن كان له حاجة يعلمنا بها فنقضيها له? فقالت العجوز وقد هزت رأسها: حفظ الله فراستك، والله إن له حاجة، وهل أحد يخلو من حاجة? فقالت لها السيدة دنيا: اذهبي إليه وسلمي عليه، وقولي له: شرفت بقدومك مدينتنا ومهما كان لك من الحوائج قضيناه لك على الرأس والعين، فرجعت العجوز إلى تاج الملوك في الوقت فلما رآها طار قلبه من الفرح ونهض لها قائماً على قدميه وأخذ يدها وأجلسها إلى جانبه، فلما جلست واستراحت أخبرته بما قالته السيدة دنيا، فلما سمع ذلك فرح غاية الفرح واتسع صدره وانشرح، وقال في نفسه: قد قضيت حاجتي، ثم قال للعجوز: لعلك توصلين إليها كتاباً من عندي وتأتيني بالجواب، فقالت: سمعاً وطاعة، فلما سمع ذلك منها قال لعزيز: ائتني بدواة وقرطاس وقلم من نحاس، فلما أتاه بتلك الأدوات كتب هذه الأبيات: كتبتُ إليكِ يا سؤلي كتـابـاً بما ألقاه من ألمِ الـفـراقِ فأول ما أسطّر نارَ قلـبـي وثانيَه غرامي واشتـياقـي وثالثه مضى عمري وصبري ورابعه جميع الوجد باقـي وخامسه متى عيني تـراكـم وسادسه متى يوم التلاقـي؟ ثم كتب في إمضائه: إن هذا الكتاب من أسير الأشواق المسجون في سجن الاشتياق الذي ليس له إطلاق إلا بالوصال، ولو بطيف الخيال، لأنه يقاسي أليم العذاب من فراق الأحباب، ثم أفاض دمع العين، وكتب هذين البيتين: كتبتُ إليكِ والعبَرات تجري ودمع العين ليس له انقطاعُ ولست بيائسٍ من فضل ربي عسى يوم يكون به اجتماع ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه للعجوز، وقال: أوصليه إلى السيدة دنيا، فقالت: سمعاً وطاعة، ثم أعطاها ألف دينار، وقال: اقبلي مني هذه الهدية، فأخذتها وانصرفت داعية له. غضب دنيا ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا، فلما رأتها قالت: يا دادتي أي شيء طالب من الحوائج حتى نقضيها له? فقالت لها: يا سيدتي قد أرسل معي كتاباً ولا أعلم بما فيه، وقرأته دنيا وفهمت معناه، ثم قالت: من أين وإلى أين حتى يراسلني هذا التاجر ويكاتبني? ثم لطمت وجهها، وقالت: لولا خوفي من الله تعالى لصلبته على دكانه. فقالت العجوز: وأي شيء في هذا الكتاب حتى أزعج قلبك، هل فيه شكاية مظلمة أو فيه ثمن القماش? فقالت لها: ويلك، ما فيه ذلك، وما فيه إلا عشق ومحبة، وهذا كله منك، وإلا فمن أي يتوصل هذا الشيطان إلى هذا الكلام، فقالت لها العجوز: يا سيدتي أنت قاعدة في قصرك العالي، وما يصل إليك أحد ولا الطير الطائر، سلامتك من اللوم والعتاب، فلا تؤاخذيني حيث أتيتك بهذا الكتاب، ولكن الرأي عندي أن تردي إليه جواباً وتهدديه فيه بالقتل وتنهيه عن هذا الهذيان فإنه ينتهي ولا يعود إلى فعلته. تهديد ووعيد فقالت السيدة دنيا: أخاف أن أكاتبه فيطمع، فقالت العجوز: إذا سمع التهديد والوعيد رجع عما هو عليه، فقالت: علي بدواة وقرطاس وقلم من نحاس، فلما أحضروا لها تلك الأدوات كتبت هذه الأبيات: يا مدعي الحب والبلوى مع السهر وما تلاقيه من وجد ومن فـكـر أتطلب الوصلَ يا مغرورُ من قمرٍ وهل ينال المنى شخص من القمر؟! إني نصحتك عما أنت طـالـبـه فاقصر فإنك في هذا على خطرِ وإن رجعت إلى هذا الكلام فـقـد أتاك مني عذاب زائد الـضـرر وحق من خلق الإنسان من علـق ومن أنار ضياء الشمس والقمـر لئن رجعت إلى ما أنـت ذاكـره لأصلبنك في جذع من الشـجـرِ ثم طوت الكتاب وأعطته للعجوز، وقالت لها: أعطه له وقولي له: كف عن هذا الكلام، فقالت لها: سمعاً وطاعة، ثم أخذت الكتاب وهي فرحانة ومضت إلى منزلها وباتت في بيتها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. حزن تاج الملوك وفي الليلة الثامنة بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، انه لما أصبح الصباح توجهت إلى دكان تاج الملوك فوجدته في انتظارها، فلما رآها كاد يطير من الفرح، فلما قربت منه نهض إليها قائماً وأقعدها بجانبه، فأخرجت له الورقة وناولته إياها، وقالت له: اقرأ ما فيها، ثم قالت له: إن السيدة دنيا لما قرأت كتابك اغتاظت، ولكنني لاطفتها ومازحتها حتى أضحكتها ورقت لك، وردت لك الجواب. فشكرها تاج الملوك على ذلك، وأمر عزيز أن يعطيها ألف دينار، ثم إنه قرأ الكتاب وفهمه وبكى بكاء شديداً فرق له قلب العجوز، وعظم عليها بكاؤه وشكواه ثم قالت له: يا ولدي وأي شيء في هذه الورقة حتى أبكاك? فقال لها: إنها تهددني بالقتل والصلب وتنهاني عن مراسلتها، وإن لم أراسلها يكون موتي خيراً من حياتي، فخذي جواب كتابها ودعيها تفعل ما تريد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. مكتوب جديد فقالت له العجوز: وحياة شبابك لا بد أني أخاطر معك بروحي وأبلغك مرادك وأوصلك إلى ما في خاطرك، فقال لها تاج الملوك: كل ما تفعلينه أجازيك عليه ويكون في ميزانك فإنك خبيرة بالسياسة وكل عسير عليك يسير، والله على كل شيء قدير، ثم أخذ ورقة وكتب فيها هذه الأبيات: أمست تهددني بالقتل واحـزنـي والقتل لي راحة والموت مقدورُ والموت أغنى لصب أن تطول به حياته وهو ممنوع ومقـهـور بالله زوروا محباً قل نـاصـره فإنني عبد والعـبـد مـأسـور يا سادتي فارحموني في محبتكـم فكل من يعشق الأحرار معذور ثم إنه تنفس الصعداء وبكى حتى بكت العجوز، وبعد ذلك أخذت الورقة منه وقالت له: طب نفساً وقر عيناً، فلا بد أن أبلغك مقصودك.
مشاركة :