كوفيد- 19: اليابان تمدد حالة الطوارئ وحجر في تونس لمواجهة الموجة الثالثة

  • 5/8/2021
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

قررت اليابان أمس الجمعة تمديد حالة الطوارئ السارية حاليا في طوكيو وثلاث مناطق أخرى حتى نهاية مايو، في إطار الجهود الرامية لكبح الزيادة في حالات الإصابة بفيروس كورونا قبل نحو شهرين من دورة الألعاب الأولمبية. وقال رئيس الوزراء يوشيهيدي سوجا معلنا القرار: إن الحكومة كانت تأمل في أن تؤدي حالة الطوارئ "القصيرة والصارمة" إلى احتواء موجة رابعة من العدوى لكن الحالات الجديدة في المدن الكبرى مثل طوكيو وأوساكا لا تزال عند مستويات مرتفعة. وسينتهي تمديد حالة الطوارئ قبل أقل من شهرين على الموعد المنتظر لأولمبياد طوكيو المقرر أن تنطلق في 23 يوليو والتي تأجلت العام الماضي بسبب الجائحة. وفي وقت سابق أمس، قال وزير الاقتصاد ياسوتوشي نيشيمورا، المسؤول أيضا عن تدابير مكافحة الجائحة: إن سلالات مختلفة من الفيروس تنتشر بسرعة وإن الحكومة يساورها القلق من احتمال عدم توفر أسرة في مستشفيات طوكيو قريبا. كما أعلنت الحكومة التونسية الجمعة عن حجر صحي شامل في كامل البلاد يمتد على مدار أسبوع بدءا من يوم الأحد المقبل وحتى يوم 16 من الشهر الجاري. وتهدف الخطوة إلى كسر حلقات العدوى بفيروس كورونا المستجد ولا سيما السلالة البريطانية المتحورة الأكثر تفشيا في البلاد، وفق أعضاء من اللجنة العلمية لمجابهة كورونا. وتواجه تونس موجة ثالثة من الوباء هي الأقوى منذ ظهور أولى الإصابات بالفيروس في مارس 2020، في ظل ضغط شديد على أقسام العناية المركزة بالمستشفيات العمومية وأعداد متزايدة من الوفيات والإصابات اليومية. دبلوماسية اللقاحات مع دخول العالم العام الثاني من جائحة فيروس كورونا المستجد المميتة، أصبح من الصعب التخلص من الشعور بأن كل دولة تقف بمفردها في مواجهة هذه المأساة. فهناك البلاد التي تقوم بتخزين كميات كبيرة من اللقاحات المضادة للفيروس وترفض تصديرها إلى الخارج، وهناك الدول التي فرضت قيودا صارمة على حركة السفر إليها للحد من انتشار الفيروس، وهو ما يعني أن الجائحة أججت مشاعر الانعزالية الوطنية وقلصت التعاون الدولي وأبرزت التوترات الجيوسياسية. ورغم هذه الصورة القاتمة للعلاقات الدولية، يرى الكاتب والمحلل الأميركي ستيفن ميم في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن وقائع التاريخ تعطي بارقة أمل في تحسن العلاقات بين الدول. فالتاريخ الطويل لما تعرف باسم دبلوماسية اللقاحات يؤكد أن الأمراض لا تؤدي دائما إلى انقسام الدول. فمحاربة أسباب الأمراض يمكن أن تعزز فرص التعاون والتقارب بين الدول. ويمكن القول: إن قصة دبلوماسية اللقاحات بدأت بمرض الجدري أو "الوحش الأرقط" الذي ظل على مدى عقود يقتل ما بين 20 و60 % من ضحاياه ويترك الناجين من الموت مشوهي الوجه أو مصابين بالعمى. وكان الدكتور البريطاني إدوارد جينر في القرن الثامن عشر صاحب المبادرة فيما يعرف بدبلوماسية اللقاحات. وقد لاحظ جينر أن السيدات المرضعات نادرا ما تصبن بالجدري، وأرجعت بعض المرضعات هذه الحماية إلى إصابتهن بنوع آخر من الجدري أقل خطورة وهو جدري البقر. واستنتج جينر أنه يمكن حماية أي شخص من الجدري إذا ما تم تعريضه للإصابة بالجدري البقري. وكانت فكرة جينر صحيحة بالفعل، وأطلق على هذه الأسلوب كلمة "فاكسينشن" اشتقاقا من كلمة فاكا وتعني البقرة في اللغة اللاتينية. وعلى الرغم من أن الكثيرين هاجموا جينر وفكرته في التعامل مع المرض، فإن دعوته للتطعيم اكتسبت مؤيدين بارزين في جميع أنحاء بريطانيا، ثم في بقية العالم خلال العقود الأولى من القرن التاسع عشر. ونشر المؤرخ مايكل بينيت مؤخرًا كتابًا يعرض تفاصيل هذه الحملة الرائعة التي قام بها جينر خلال فترة الحرب الضارية بين بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى صراعات أخرى حول العالم. فخلال الحروب النابليونية بين فرنسا وبريطانيا قال جينر لنظرائه الفرنسيين: إن "العلم ليس جزءا من الحرب أبدًا". وقد يبدو هذا الكلام سذاجة بالغة، ولكن جينر وشبكة متنامية من المؤيدين حول العالم بدؤوا نقل شحنات اللقاحات بين الدول المتحاربة، ووضعوا الصحة العامة قبل الصراعات القومية. ووجد جينر نفسه كدبلوماسي غير رسمي بين بريطانيا وفرنسا، وموضع ثقة من البلدين. وغيرت اللقاحات العلاقات الدبلوماسية حول العالم، فقبل ظهور جينر لم تكن الدول تستطيع كثيرا، مساعدة بعضها البعض في محاربة الأمراض، كما أن الأدوية التقليدية لم تكن تستعمل على نطاق واسع، ولم تستطع كل أموال العالم وقف انتشار مرض الجدري، لكن اللقاح استطاع عمل ذلك، وسرعان ما بدأت دول العالم تستخدم هذه اللقاحات لإثبات حسن نواياها تجاه الدول الأخرى. وخطت فرنسا بدبلوماسية اللقاحات خطوات أبعد، فبعد نجاح العالم الفرنسي لويس باستير في تطوير لقاح يمنع الإصابة بداء الكلب وهو مرض مميت يقتل أي شخص يصاب به، بدأت الحكومة الفرنسية إقامة معامل في مختلف مستعمرات لكي تنتج اللقاح وتوفره على نطاق واسع. ورغم أنه يمكن الحط من قدر هذه الجهود باعتبارها كانت نوعا من التدخلات الاستعمارية من جانب الدول الكبرى، فإن العلماء الذين روجوا لبرامج التطعيم كانوا يؤمنون بأن هذه اللقاحات تستطيع تجاوز الخلافات الوطنية، على سبيل المثال قال باستير مقولته الشهيرة "العلم لا يعرف له وطنا". وفي حين كانت أميركا والاتحاد السوفيتي يخوضان حروبا بالوكالة على مستوى العالم، تعاونا معا في واحد من أكبر برامج التطعيم في تاريخ البشرية. وطعم الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية أكثر من 100 مليون شخص ضد شلل الأطفال. وأثبتت هذه الحملة أن لقاح سابين آمن وفعال ويمكن إنتاج كميات ضخمة منه بسرعة. وبسرعة تحولت الولايات المتحدة إلى استخدام طريقة سابين في إنتاج اللقاح، وبدأت الدولتان توزيع اللقاح المضاد لفيروس شلل الأطفال في مختلف أنحاء العالم، وكانت هذه الحملة في أغلبها نوعا من دبلوماسية اللقاحات، حيث كانت كل دولة منهما تسعى لإثبات حسن نواياها وكسب ود الدول الأخرى من خلال توفير اللقاحات لها. كما تكرر التعاون الأميركي السوفيتي في الحملة العالمية لاجتثاث مرض الجدري، وبعد أن طور الاتحاد السوفيتي نسخة مجففة بالتجميد من اللقاح، تعاونت واشنطن وموسكو في حملة تطعيم عالمية للقضاء على هذا المرض. أخيرا يمكن القول: إن هذا التعاون الناجح يؤكد حقيقة أساسية وهي أن الصراع والتنافس الجيوسياسي لا يجب أن يعرقل التعامل العالمي الفعال مع الأمراض المميتة. هذا الدرس مهم، مع دخول جائحة فيروس كورونا المستجد عامه الثاني، فمحاولات الدول هزيمة فيروس كورونا اعتمادا على قدراتها الذاتية فشلت، لكن إذا أعادت الدول الحياة إلى نموذج التعاون الذي خلص العالم من أمراض مثل الجدري وشلل الأطفال فقد تنجح في القضاء على كورونا.

مشاركة :