مع اقتراب عيد الفطر المبارك، انقلب المشهد في الأسواق السورية من حالة شلل شبه تام إلى حالة ازدحام وحركة دؤوب حتى ساعات الفجر... «هذا الموسم لم نعهد مثله من سنوات»؛ يقول تاجر ألبسة في سوق الحميدية بدمشق لـ«الشرق الأوسط»، مرجعاً ذلك لأسباب عدة؛ أهمها تحويلات المغتربين من الخارج إلى ذويهم وأقاربهم بمناسبة شهر رمضان. وأضاف التاجر: «قد شجع ذلك قرار الحكومة برفع سعر صرف الحوالات ليوازي سعر السوق السوداء، وأيضاً زيادة عروض التخفيضات بمناسبة العيد، الاستقرار النسبي لسعر الصرف، كما أن السوريين لم يفرحوا بالأعياد العام الماضي بسبب الحظر جراء تفشي وباء (كورونا)»، وتابع التاجر أن «الانفراج الذي تشهده الأسواق المحلية هو من فضائل الشهر الكريم الذي تكثر فيه المساعدات والتبرعات، ولا يمكن اعتباره انفراجاً حقيقياً؛ لأن الأزمات المعيشية لم تشهد تحسناً». وكان «مصرف سوريا المركزي» قد أصدر قراراً مع بداية شهر رمضان الحالي بتعديل نشرة «المصارف والصرافة» ليعادل سعر شراء الحوالات الواردة من الخارج، سعر الصرف في السوق السوداء، بعدما كان 1250 للدولار الواحد هو سعر الصرف الرسمي الثابت، وذلك بغية جذب الحوالات الخارجية من الأقنية غير الشرعية إلى أقنية النظام للحصول على القطع الأجنبي... وذلك بعد تدهور غير مسبوق بسعر صرف الليرة في مارس (آذار) الماضي؛ حيث تجاوزت قيمة الدولار الأميركي 4700 ليرة سورية، ليعود إلى 3700 في أبريل (نيسان) الماضي، وليستقر مطلع مايو (أيار) الحالي عند عتبة 3000 ليرة، وذلك بعد اتخاذ حزمة إجراءات مصرفية في إطار توحيد سعر الصرف لتشجيع الحوالات الخارجية وتقدر بـ10 ملايين دولار يومياً تزيد خلال شهر رمضان. ويقول بائع ملبوسات في سوق الحمرا وسط دمشق: «الموسم يبدأ عادة بعد انتصاف شهر رمضان، كنا ننتظر الموسم، ولكن لم نتوقع أن يكون الإقبال على الشراء بهذا الحجم، فمنذ بداية العام عانينا من ركود قاتل. كثير من المحلات المؤجرة أغلقت لعدم القدرة على تغطية نفقات فتحها. حركة الشراء مفاجئة، لكن إذا حسبت وفق العملة المحلية فحجم ما أبيعه يومياً منذ بدء الموسم بين المليون والـ700 ألف ليرة، بينما الموسم الماضي لم أبع ربع هذه القيمة، لكن إذا حسبتها وفقاً للدولار فهي لا تتجاوز 300 دولار يومياً، وبالمقارنة مع مواسم سنوات اشتداد الحرب والقذائف فقد كنت أبيع يومياً بما بين 300 و500 ألف؛ أي نحو ألف دولار يومياً». بائع آخر أكد أن موسم رمضان هو موسم بيع الغذائيات والملبوسات والأحذية، «فهو موسم لتصريف الراكد من البضائع، لهذا تجد أسعاراً تناسب أوسع شرائح؛ بدءاً من البضائع الشعبية الرخيصة، وحتى البضائع ذات الجودة العالية، وجميعها مطلوب. الناس تدخر للعيد، إلا إنه خارج هذه الاحتياجات لا تزال الأسواق راكدة»، ويلفت إلى أن أسواق الحمرا والصالحية والشعلان والجسر الأبيض وعرنوس والقصاع والحميدية والميدان وباب مصلى... وغيرها، تفتح بعد الإفطار عند الساعة الثامنة والنصف، وتبقى حتى الصباح مضاءة والأقدام تتزاحم، وكأن سوريا كلها نزلت لتتسوق وتتنزه، بينما خارج الأسواق تتحول أحياء دمشق إلى ضيع معتمة لا حياة فيها». ساعات تقنين الكهرباء على حالها، وأزمة البنزين مستمرة. وهو ما أكده سائق تاكسي بالقول: «أمضي معظم وقتي في انتظار رسالة البنزين لأحصل على 20 ليتراً أعمل بها، وبعدما تنتهي أعود للانتظار»، ويضيف: «الازدحام شجعني على شراء بنزين بالسعر الحر كي لا أفوت الموسم... بعد العيد ما في حلو، وسنعود للركود». مع بدء المصلين الخروج من صلاة التراويح بعد الإفطار، تبدأ زرافات النساء والأطفال بالتوجه إلى الأسواق لتكتظ بهم الأرصفة والمحال والمقاهي، فيما تغزو الشوارع بسطات السكاكر والحلويات الرمضانية إلى جانب بسطات الألعاب والألبسة المضاءة بألوان العيد... «أم نادر» التي تصطحب شقيقتها وزوجات أبنائها وأطفالهن إلى سوق رمضان الخيرية التي افتتحتها وزارة الأوقاف بدمشق وقررت تمديدها إلى ما بعد العيد نظراً للإقبال الشديد، تضحك من قلبها وهي تدعو لابنها المغترب بدولة خليجية وأحفادها المغتربين في أوروبا: «الله يحميهم، لولاهم ما عرفنا العيد..... عيد الفطر الماضي ما طلعنا من البيت بسبب الحظر، عيّدنا بالبيجامة والشحاطة، وبعيد الأضحى ما عيّدنا؛ توفى الحاج ـ أي زوجها ـ بـ(كورونا). هذا العيد قلنا نريد نعيّد مهما حصل، والحمد لله انجبر خاطرنا، الله يجبر بخاطر بلادنا وولادنا وكل خاطر مكسور».
مشاركة :