بالتكفير لا إصلاح ولا تغيير

  • 9/29/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من المؤسف أن تحمل دعوات التكفير ما يوازيها من دعوات لتدمير المجتمعات والدول، وصولاً إلى تدمير الحياة، ومحاولة وقف دورة عجلة التاريخ، كونها عجلة تضاد التدين أو الدين المفترض في أذهان البعض، الممتلئة تسطيحاً وسذاجة ما بعدها سذاجة، حتى حين يحاول هذا البعض تطويع النص الديني، وإطاعة ما في أذهانهم من تهويمات وتزييفات ومزاعم إطاعتهم له. وعبر التاريخ العديد من شواهد عدم إخضاعية الدين لإلزاماته النصية أو الفقهية، بقدر ما ذهبت الفئات المذهبية ومللها ونحلها نحو تطويع التفاسير والتأويلات لمصلحتها، وليس لمصلحة عموم المؤمنين. أي أنها انحازت للتطويع على حساب الإطاعة. وما زال ذاك الحال ينسج على ذات المنوال حتى يومنا هذا. وعلى هذا ليس الانسان ملزماً بقتل الحياة لديه، أو تدميرها وتخريبها لدى غيره، تحت أي عنوان مقدس أو مدنس، فلم تبدأ الحياة مع الأديان، كما لم يبدأ التاريخ معها، حتى تكون قبلة «المؤمنين» وغايتهم والمرتجى، قتل الحياة وتسفيه وتزوير التاريخ. الحياة بدأت باكراً، أبكر من التدوين اللغوي أو النصي ليوميات الانسان، وبالتالي فإن نشوء الأديان كان متأخراً كثيراً عن تلك الفترة البكر، التي عاش البشر خلالها وفق ما أنتجته عقولهم، وعقلته أو عقلنته مسلكياتهم الأخلاقية وفلسفاتهم ورؤاهم عن الحياة وأحكامها، والسلطة وأدوارها «التشاركية» قبل أن يعرفوا الديمقراطية، إلى أن جاءت الأديان وتفاسيرها وتأويلاتها باستبداداتها الواضحة والمقنعة، وأحاديات أحكامها وانغلاقاتها المحكمة والموجهة، ليتجه بعض أتباعها إن لم نقل معظم أتباعها نحو أفهام وتفسيرات وتأويلات مغلوطة، تستند إلى النصوص الحافة، من قبيل ما جادت به قرائح الفقهاء وتراتبياتهم السلطوية، والسلطات وما جادت به قرائحهم المصلحية، حتى اصطدمنا بالحائط، حائط «الإكراه في الدين» والتيقن من هذا الإكراه، وتسييده المنطق الأعلى للتدين، وليس المنطق الأدنى أو الاستثنائي في سلوك المتدينين، وهم يتحولون إلى «سلطة حساب وعقاب»، وتسلط أعمى على مجموع «المؤمنين». إلى أن بلغ «الجنون التديني» في أيامنا هذه حدود الفرض والإكراه «الخليفي» الذي أدخل إلى اعتقاده أنه «الأعلى منزلة»، والقريب من منزلة الألوهة، و «الأقدس منزلة» من «التسيد النبوي»، أو ما شاكل من قضايا مستعصية، لم تستطع الأديان أن توجد لها الحلول المقنعة أو الناجعة في بداياتها، أو في الأيام الذهبية الأولى لبدئها الاشتغال كأصولية دينية، جرى المراكمة عليها عبر مئات السنين، من دون أن تشهد حسماً أو وضوحاً للعديد من القضايا والمسائل الأساسية التي تدخل في صلب الدين، ومن دون أن يسمح فيها بالمراجعة أو النقد كونه السلطة المعرفية العقلانية، الكفيلة بإيصالنا إلى رحاب الإصلاح، وتغيير ما يستوجب التغيير، مما أضفاه البعض من الفقهاء وذوي المراتب السلطوية المتمسّحين بـ «السلطة العليا» السياسية – الدينية، وجرى إلحاقه بالدين، إلحاقاً مصلحياً لا معرفياً، الأمر الذي ما كان له من ضرورة ابتغاء إلحاقه في هذا الشكل المتعسف، مما نراه من مسلكيات الذين تسيدوا السلطة الخليفية أو الأميرية أو الفقهية، أو السلطات الدينية على اختلاف تشكلاتها وتشكيلاتها السلطوية المتعسكرة. لكل هذا ولغيره من أسباب، وفي ضوء خبرة الأصوليات وتجاربها المرة، المتزن منها وغير المتزن، لا فكاك للمجتمعات من الاقدام على موضوعة الإصلاح كمسألة حيوية، والتغيير كمسألة أكثر من حيوية، تتعلق بشرط وجود الحياة ذاتها والتاريخ ذاته، ما يعني أن التفكير والنقد وليس التكفير والقتال من أجل الحفاظ على استاتيك وجمود العقل، هو الشرط الشارط لتهيئة الأرض لإصلاح وتغيير منشودين لحال المجتمعات والدول والإنسانية والحياة والتاريخ، نحو الإقرار بمبادئ للتسامح والتصالح بين الإنسان ونفسه وتاريخه، وبينه وبين تدينه الذي لا ينبغي أن ينسف ويضاد معتقدات الآخرين، أو يتهمهم ويعرضهم لنيران التكفير، وبالتالي مصادرة حقهم في الحياة التي جار عليها ويجور، أولئك الذين احتكروا التدين، وجعلوا منه ألعوبتهم السلطوية القاتلة.

مشاركة :