اخترت «الطب» منذ طفولتي وكنت واثقة من حصولي على البعثة تزامنت أحداث 11 سبتمبر مع دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية تشرّفت بتكريم جلالة الملك بـ«وسام الكفاءة» وهو أهم حدث في حياتي المهنية راود حلم دراسة الطب الدكتورة جميلة السلمان منذ صغرها، ولأنها كانت الثانية في البحرين حين تخرجت من الثانوية العامة، نالت رغبتها وحصلت على بعثة في جامعة الخليج العربي، ثم انتقلت للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 7 سنوات تزامنت مع أحداث 11 سبتمبر، وبعد أن عادت تدرّجت في المناصب الوظيفية، وكان لها دور فاعل في العديد من اللجان المحلية والإقليمية والعالمية. وبمناسبة فوز رئيس الخدمات الطبية للأقسام الباطنية بمجمع السلمانية الطبي عضو الفريق الوطني الطبي للتصدي لفيروس كورونا بجائزة التميز للمرأة العربية في مجال الطب للعام 2020 لجامعة الدول العربية، تنشر «الأيام» بالتعاون مع «حكاية المنامة» قصة تجاح وتميز السلمان، وفيما يلي نص اللقاء: ] في البداية، كيف كانت نشأتك وسنوات الطفولة الأولى؟ كانت ولادتي في مستشفى المحرق للولادة، نشأت في البيت العود وهو منزل الطواش المعروف محمد حسن السلمان في قلب المنامة، عشت هناك حوالي سنتين أو أكثر ثم انتقلنا لبيت مستقل بالأسرة، والدي تاجر وهو شخص مثقف جدًا، ووالدتي ربة منزل، لدي اثنان من الأخوة واثنتان من الأخوات، وكان لنشأتي في كنف العائلة دور كبير في أن أتعلّم الانضباط والاحترام المتبادل، وأن أكون ما أنا عليه اليوم، وكل كلمات الشكر لن تفي حقهم، لأنهم ساندوني وقدموا لي الدعم بلا حدود منذ أن كنت طالبة بالمدرسة وحتى اليوم. ] ماذا عن بداية مسيرتك التعليمية؟ درست في مدرسة فاطمة الزهراء الابتدائية، ثم انتقلت لمدرسة عائشة أم المؤمنين الإعدادية، ثم مدرسة المنامة الثانوية، وتحضرني العديد من الذكريات الرائعة، وتجمعني علاقة ممتازة بزميلاتي، كما أن معلماتي يمثلن بالنسبة لي قدوة ومثال يحتذى به، ولهن دور في حبي للعلم، وأذكر من بينهن الدكتورة صباح الجنيد التي درستني في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وكانت مؤثرة جدًا في حياتي، والأستاذة أسماء أبو ادريس التي كانت قامة في التدريس، والعديد من الأسماء الأخرى. ] متى قررت التخصص في دراسة الطب؟ لطالما كنت متفوقة وكان حلمي أن أكون طبيبة منذ الطفولة، وحين تخرجت من المرحلة الثانوية كان ترتيبي الثانية على البحرين، وكان التسجيل للبعثات آنذاك بالحضور وكتابيًا، وأذكر أني كتبت رغبتي بدراسة الطب في جامعة الخليج العربي وانصرفت، وكنت واثقة من أني سأحصل على البعثة. دخلت كلية الطب جامعة الخليج العربي، ولي أيضا ذكريات رائعة خلال تلك السنوات، وجمعتني علاقة ممتازة بجميع زملائي وزميلاتي من دفعتي والدفعات الأخرى، وقد تأثرت كثيرًا بالدكتور محمد جابر الأنصاري، وطريقة تدريسه وفكره، كنت أفكر حينها بالتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكني عملت أولاً لمدة سنة في مجمع السلمانية الطبي، وتحديدًا في قسم الأطفال. ] وما المجال الذي اخترت التخصص فيه بالخارج؟ بدأت بدراسة تخصص الباطنية لمدة 3 سنوات، وبعد الانتهاء منه درست تخصص كبار السن، وأود أن أشير إلى أن سنوات دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية تزامنت مع أحداث 11 سبتمبر، وكان الأمر بالنسبة لي كامرأة مسلمة ومتحجبة مخيفًا، وقد طلبت عائلتي مني العودة إلى البحرين، لكني حصلت على دعم من زملائي الأمريكيين الذين كانوا يحرصون على سلامتي، لأنهم يعرفون شخصيتي ويحترمونني. خلال تواجدي في الولايات المتحدة، تم اختياري لأكثر من مرة كأفضل طبيبة على مستوى المستشفى وكان هذا الأمر رائع بالنسبة لي، وأذكر أن رئيس البرنامج قال ليها حينها: «جميلة انت وضعت اسم البحرين على خريطة العالم» وكانت عبارته هذه بحد ذاتها شهادة بالنسبة لي. درست أيضا الأمراض المعدية في جامعة ييل لمدة سنتين، وتعلمت على يد أشهر بروفيسور في المجال وخيرة المختصين، وكانوا يؤكدون دائما أني عكست لهم صورة المرأة البحرينية، وهو ما جعلني أشعر دائما بأني سفيرة للبحرين سواء أثناء الدراسة أو بعد الدراسة. حين عدتُ إلى البحرين حصلت على البورد في مكافحة العدوى، وأعتز بأن عدد الحاصلين على هذا الكم من الشهادات في مجال الطب قليل جدًا على مستوى الوطن العربي. ] بعد سنوات من الدراسة والتدريب في الولايات المتحدة، كيف كانت العودة إلى البحرين؟ لطالما كان الهدف الأسمى بالنسبة لي طوال فترة دراستي العودة للبحرين ونقل المعرفة والتجارب التي اكتسبتها في أمريكا، وتجدر الإشارة إلى أني حصلت على عروض مغرية للعمل هناك، لكني كنت مصرة على أن أعود لوطني البحرين بعد 7 سنوات قضيتها في الولايات المتحدة. فور عودتي، عملت بمجمع السلمانية الطبي، تسلمت في البداية برنامج مكافحة العدوى، وانتقلت بين الأقسام والمناصب، وقضيت حوالي 6 سنوات في قسم الأمراض الباطنية، وعملت بقسم كبار السن، وبمعالجة مرضى نقص المناعة المكتسبة، ومع مرضى السكلر وغيرها، وقد منحني العمل في كل قسم خبرة تراكمية، فضلا عما اكتسبته من خلال عضويتي في اللجان الاستشارية والعلمية المختلفة، كما أن عضوية اللجان الخليجية والإقليمية والعالمية وتمثيلي لمملكة البحرين في منظمة الصحة العالمية وضع على عاتقي مسئولية أعتز بها، وقد نشرت العديد من البحوث العلمية، وحصلت على تكريم من قبل رئيس المجلس الأعلى للصحة الفريق طبيب الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة، ويعتبر مشروع المضادات الحيوية من أهم الإنجازات التي تحققت أثناء تواجدي في البحرين. ] ما أهم لحظة في مسيرتك المهنية؟ أهم حدث في حياتي المهنية هو حصولي على وسام الكفاءة وتكريمي من قبل جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، في ديسمبر 2016، وأذكر هذا اليوم جيدًا، لأني كنت قد وضعت مولودًا للتو، وخرجت من المستشفى فورًا بعد 4 أيام من الولادة لأذهب بالتكريم، كنت مصرّة على الحضور ولم أكن لأفوّت هذا الشرف، وبقدر سعادتي حينها استشعرت أن هذا الوسام هو مسؤولية إضافية ودافع لأقدّم المزيد لمملكة البحرين؛ لأني استشعرت تقدير القيادة لكل فرد مجتهد بالمجتمع. ] ما أبرز التحديات التي واجهتك خلال حياتك؟ في الواقع واجهت العديد من الصعوبات، منها على سبيل المثال أني حين توجهت للولايات المتحدة كنت حاملا في الشهر السادس، وكانت ساعات التدريب طويلة ضمن برنامج مكثف، ولأن زوجي كان يدرس الطب أيضا في ولاية أخرى، اضطرت والدتي لرعاية ابني الأكبر لسنوات، ولم يكن من السهل أن أكون هناك وأن يكون ابني في البحرين بعيدًا عني، ربما يعتقد البعض أن حياتي كانت سهلة، لكن الواقع أني واجهت الكثير من التحديات. ] في الوقت الراهن، كيف توفّقين بين ظروف البيت والعمل؟ جميع الأمهات العاملات يواجهن هذا التحدي، وبالنسبة لي أحرص على الانضباط وترتيب الوقت؛ لأنه العامل المهم في النجاح، والأشخاص الذين يعملون معي يعرفون أني أنام قليلاً، وأني أتواصل في جميع الأوقات سواء كنت داخل أو خارج البحرين، وبالتأكيد أنا أحصل على دعم كبير من قبل الأسرة والذين يقدرون الدور الذي أقوم به ويقدمون المساعدة خلف الكواليس. ] ما النصيحة التي تقدمينها لطلبتك ولشباب البحرين؟ المعادلة الذهبية للنجاح هي العلم والتدريب والأخلاق، وبها يبنى المجتمع، أدعو الطلبة دائمًا للحصول على المزيد من الشهادات وعدم الاكتفاء من العلم، هناك من يبحث عن أسرع شهادة لأفضل راتب، وهو أمر غير صحيح، ولابد من أن يحرص الفرد على التعامل مع الآخرين بأخلاق عالية وتعاون، فالعلم للفرد والأخلاق للجميع، من المهم أيضًا إتقان العمل الجماعي ضمن فريق متناغم؛ لأنه عامل أساسي في النجاح.
مشاركة :