شرعه الله- عز وجل- وجعله شعيرة من شعائره” ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”. فعيد الفطر يعقب شهر رمضان شكراً لله على ما أنعم به علينا من صيامه وقيام لياليه. وفرض عيد الأضحى شكراً له على ما أنعم به على الحجاج إتمام حجهم. كان العيد قبل أربعة عقود تقريباً حميمياً جداً؛ لاجتماع الناس وبساطتهم، وعدم وجود تكاليف معنوية أو مادية. فهو يجمعهم صغاراً وكباراً ولا يشكل عبئاً عليهم مادياً أو معنوياً أو اجتماعياً، فما أجمل فرحة الأطفال وهم ينتقلون من بيت إلى بيت في الأزقة والدواعيس والسوابيط في الفرجان ذات البيوت الطينية المتلاصقة دون خوف من سيارات مسرعة أو دراجات طائشة مرددين أهازيج العيد! والأجمل رؤية الكبار بثيابهم وبشوتهم الجديدة ينتقلون من مجلس إلى آخر تسبقهم ابتساماتهم وضحكاتهم البريئة قبل قبلاتهم المترعة بفيروسات السعادة، فتسمو نفوسهم بقلوب طاهرة، ونيات صادقة، وألسنة ذات كلمات طيبة. ومع دخول البث الفضائي ثم دخول خدمة الجوال تقريباً بدأنا نشكو من برودة العيد، وحميميته وتحوله من الحالة الجمعية إلى حالة بين الجمعية والفردية. وبعد ثورة الاتصالات والتطبيقات وما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي انطلق العيد نحو الحالة الفردية، فاقتصر على أسرة الشخص الخاصة بل على نفسه، فلم يعد يهمه التواصل الجسدي والاجتماعي، فيكتفي بإرسال رسائل معايدة إلكترونية واتسابية لا تسمن ولا تغني من جوع النفس للحب والكلام، وإشباع غريزة الاجتماع بالآخرين! وليت الأمر بقي كذلك فمع اجتياح فيروس كورونا في 2020 تحول العيد نحو منحى جديد غارق جداً في الفردية غير السليمة التي لا تتوافق مع طبيعة الإنسان، وهذه حالة طارئة ستزول إن شاء الله. وأتوقع أن العيد القادم سيستعيد شيئاً من مظاهره باتباع الاحترازات الصحية. عيد الفطر يوم من أيام الله المباركة، يوم الجوائز الإلهية التي يكرم بها عباده المطيعين المنيبين إليه. فيه تبيض وجوه وتسود وجوه، تبيض وجوه عند ربها فتكون ناعمة، ناضرة، مسفرة، ضاحكة، مستبشرة، برضا الله عنها، وقبوله لأعمالها. فيه تبيض وجوه من قبل الله صيامهم، وغفر ذنوبهم وعتق رقابهم من النار. فيه تبيض وجوه من أدوا الواجبات خير قيام، وتصدقوا على أنفسهم بالمستحبات. فيه تبيض وجوه من قاموا رمضان إيماناً واحتساباً فغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم. فيه تبيض وجوه من قاموا لياليه وخاصة ليلة القدر التي خير من ألف شهر التي تساوي 83 سنة، فغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم. فيه تبيض وجوه من عمروا قلوبهم بالإيمان واتصلوا بربهم بالصلوات، وتحدثوا معه بالقرآن الكريم. فيه تبيض وجوه من غلبوا هواهم، وهزموا شياطينهم في شهر تصفد فيه الشياطين، وتغلق فيه أبواب النيران. فيه تبيض وجوه من تواصلوا مع والديهم، وأهاليهم، وغيرهم باتباع الإحترازات الصحية، فمن أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه. فيه تبيض وجوه من أكثروا من الأعمال الصالحة كالصدقات وتفطير الصائمين وغيرها. وفيه وتسود وجوه- والعياذ بالله- عنده فيسترها في الدنيا لعلهم ينيبون إليه بتوبة نصوحة. تسود وجوه من ضيعوا شهر رمضان باللهو متغافلين أو غافلين بمتابعة الأفلام والمسلسلات والمباريات وما تسمى بالجوالات الذكية! فيه تسود وجوه من ضيعوه في مجالس وديوانيات اللهو متجاهلين الإحترازات الصحية. فيه تسود وجوه من ضيعوه متجولين بدون هدف من شارع إلى شارع، ومن زنقة إلى زنقة، ومن سوق إلى سوق. فيه تسود وجوه من تجاهلوا أن المعدة بيت الداء، فأثقلوها بلذيذ الطعام والشراب حتى تثاقلوا عن أداء العبادات. فيه تسود وجوه من قطعوا اتصالهم بالله بهجر القرآن الكريم، وضيعوا ليلة القدر، وصلة الأرحام متذرعين بكثرة الأشغال وزحمة الأعمال. فيه تسود وجوه من سارعوا لمتابعة بعض الفعاليات الرمضانية الترفيهية على حساب العبادات! فيه تسود وجوه من لم يُغفر الله لهم في رمضان، فمن لم يُغفر له فيه ففي أي شهر سيُغفر له؟ طوبى لمن إبيضت وجوههم يوم العيد، يوم الهدايا والجوائز الربانية، وبخ بخ لمن غفر الله لهم، وعتق رقابهم فيه، فهم في رحمة الله هم فيها خالدون. ويا حسرة لمن إسودت وجوههم فيه على ما فرطوا في جنب الله. اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض الوجوه، ولا تسود وجوهنا يوم تسود الوجوه، آمين يا رب العالمين.
مشاركة :