وهـــج الـكـتــابـة: شعرية الرواية... شعرية الحياة

  • 5/15/2021
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ترتفع‭ ‬أصوات‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬منتقدةً‭ ‬شعرية‭ ‬الرواية‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬لغة‭ ‬شعرية‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬السرد‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يتداخل‭ ‬مع‭ ‬الشعر‭ ‬ويجب‭ ‬ترك‭ ‬الرواية‭ ‬تنساب‭ ‬وتتدفق‭ ‬سردًا‭ ‬خالصًا‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الغرائبية‭ ‬وعن‭ ‬دهشة‭ ‬اللغة،‭ ‬لكن‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الحداثية‭ ‬تجاوزت‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬سعيها‭ ‬إلى‭ ‬نفي‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الأشكال‭ ‬الإبداعية‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬هو‭ ‬كتلة‭ ‬أدبية‭ ‬واحدة،‭ ‬تتجاور‭ ‬فيها‭ ‬مستويات‭ ‬الخطاب،‭ ‬وتتفاعل‭ ‬فيها‭ ‬تقنيات‭ ‬التعبير‭ ‬وأساليبه‭ ‬المتعددة،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬تهاوي‭ ‬الأطر‭ ‬التقليدية‭ ‬للقوالب‭ ‬الشعرية‭ ‬وتطوّر‭ ‬القصيدة‭ ‬في‭ ‬حركتها‭ ‬التجريبية‭ ‬المستمرة‭ ‬شكلًا‭ ‬ومضمونًا‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬للوصول‭ ‬الى‭ ‬النص‭ ‬الشعري‭ ‬النقي‭. ‬ من‭ ‬القيود‭ ‬والحواجز‭ ‬التي‭ ‬تكتم‭ ‬أو‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬الشفاف‭ ‬والحقيقي‭ ‬لتحاكي‭ ‬هدوء‭ ‬موج‭ ‬البحر‭ ‬وصمت‭ ‬الغيوم‭ ‬الزرقاء‭ ‬وايقاع‭ ‬السيمفونيات،‭ ‬للوصول‭ ‬بالنص‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬عليا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أرقى‭ ‬مستويات‭ ‬التعبير‭ ‬بإيقاع‭ ‬داخلي‭ ‬خاص‭. ‬ من‭ ‬هذا‭ ‬التجريب‭ ‬المستمر‭ ‬لتطوير‭ ‬وتثوير‭ ‬الشعر‭ ‬بزغت‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬التي‭ ‬اقتربت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬تخوم‭ ‬السرد‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬شعر‮»‬‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬عام‭ ‬1957‭. ‬وعبر‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬التجريبية‭ ‬المستمرة‭ ‬انطلقت‭ ‬الراوية‭ ‬الحداثية‭ ‬لتقترب‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية‭. ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الكاتبة‭ ‬السورية‭ ‬غادة‭ ‬السمّان‭ ‬وتطورت‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬شعراء‭ ‬كبار‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭. ‬فما‭ ‬عادت‭ ‬الرواية‭ ‬التقليدية‭ ‬لها‭ ‬المكانة‭ ‬السابقة‭ ‬مثل‭ ‬العهد‭ ‬الذهبي‭ ‬لروايات‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬ويوسف‭ ‬السباعي‭ ‬وتطورها‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭. ‬أصبحت‭ ‬اللغة‭ ‬مفتاح‭ ‬التشويق‭ ‬والمتعة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬رواية‭ ‬حداثية‭ ‬بدون‭ ‬لغة‭ ‬حداثية‭ ‬غرائبية‭. ‬شعراء‭ ‬دخلوا‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭ ‬ليهشموا‭ ‬الجدران‭ ‬الفولاذية‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والسرد‭ ‬وخلق‭ ‬عالم‭ ‬سردي‭ ‬ممتع‭ ‬بلغة‭ ‬شعرية‭. ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬الحداثية‭ ‬التغييرية‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬كتّاب‭ ‬يساريين‭ ‬كبار‭ ‬مثل‭ ‬البرازيلي‭ ‬جورج‭ ‬أمادو‭ ‬والكولمبي‭ ‬جبرائيل‭ ‬غارسيا‭ ‬ماركيز‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬الأخير‭ ‬‮«‬مائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬العزلة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬ربما‭ ‬القنبلة‭ ‬المفجرة‭ ‬لتلك‭ ‬الجدران‭.‬ الكاتب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ابراهيم‭ ‬نصر‭ ‬الله،‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬دخل‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭ ‬بلغة‭ ‬شعرية‭ ‬آثرت‭ ‬الرواية‭ ‬وأعطتها‭ ‬نكهة‭ ‬أخرى‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬براري‭ ‬الحمى‮»‬‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بروايته‭ ‬الأخيرة‭ ‬‮«‬زمن‭ ‬الخيول‭ ‬البيضاء‮»‬‭ ‬وهكذا‭ ‬فعل‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬عندما‭ ‬اقتحموا‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭ ‬بلغتهم‭ ‬الشعرية‭. ‬ومن‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬بلغتها‭ ‬الشعرية‭ ‬الكاتبة‭ ‬الفلسطينة‭ ‬سهام‭ ‬ابوعواد‭ ‬التي‭ ‬أصدرت‭ ‬روايتين‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬هما‭ ‬‮«‬مقاش‮»‬‭ ‬و«أغويت‭ ‬أبي‮»‬‭ ‬لكن‭ ‬لغتها‭ ‬المدهشة‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬الشعرية‭ ‬تجعلك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تفارق‭ ‬كتاباتها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكملها‭. ‬روايتان‭ ‬فقط‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ولكن‭ ‬الابداع‭ ‬ليس‭ ‬بالكم‭ ‬ولكن‭ ‬بالكيف‭ ‬والمستوى‭ ‬الراقي‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي،‭ ‬كان‭ ‬للكاتب‭ ‬المرحوم‭ ‬محمد‭ ‬الماجد‭ ‬دوره‭ ‬الريادي‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬بلغة‭ ‬شعرية‭ ‬راقية،‭ ‬ثم‭ ‬الكاتب‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭ ‬الذي‭ ‬يكتب‭ ‬الشعر‭ ‬سرداً‭ ‬أو‭ ‬يكتب‭ ‬السرد‭ ‬شعرًا‭.‬ ‮ ‬التغيير‭ ‬يمثل‭ ‬صيرورة‭ ‬الحياة‭ ‬ومن‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التغيير‭ ‬كأنه‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬سونامي‭ ‬كاسح‭. ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬التطور‭ ‬غير‭ ‬التقليديين‭ ‬الذين‭ ‬يخشون‭ ‬أن‭ ‬تنهار‭ ‬قلاعهم‭ ‬الأثرية‭. ‬القصيدة‭ ‬الحداثية‭ ‬والقصة‭ ‬الحداثية‭ ‬والرواية‭ ‬الحداثية‭ ‬بلغت‭ ‬قمة‭ ‬تطورها‭ ‬ومازال‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬مستمرًا‭ ‬بلا‭ ‬توقف‭. ‬الهياكل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬أبدية‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬بقائها‭ ‬لأنها‭ ‬سوف‭ ‬تنهار‭ ‬تحت‭ ‬مطارق‭ ‬الوقت‭ ‬وزحف‭ ‬الحداثة‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الرقمي‭ ‬السريع‭. ‬الحداثية‭ ‬هي‭ ‬مخالفة‭ ‬للفكر‭ ‬السلفي‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬وفي‭ ‬الحياة‭. ‬هذه‭ ‬مجرد‭ ‬أمثلة‭ ‬قليلة‭ ‬جدًا‭ ‬على‭ ‬الرواية‭ ‬الحداثية‭ ‬المكتوبة‭ ‬بلغة‭ ‬شعرية‭ ‬مدهشة‭ ‬ورأي‭ ‬سريع‭ -‬بسبب‭ ‬ضيق‭ ‬المساحة‭ ‬المتاحة‭- ‬فيما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الإبداعي‭ ‬المتغير‭.‬ Alqaed2@gmail‭.‬com

مشاركة :