لا أحد يتذكر وباء الإيدز وسط جائحة كورونا

  • 5/15/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أثرت جائحة كورونا على الجهود الدولية لمكافحة مرض الإيدز وسط مخاوف من ارتفاع عدد المصابين وحالات الوفاة خاصة في المنطقة العربية التي تواجه الأمر بوصمة عار وإنكار. لندن - تنظر سعاد بحسرة وحزن إلى رضيعتها، إذ لا تستطيع سدّ جوعها من حليبها الطبيعي بسبب إصابتها بالإيدز، ولا حتى توفير غذاء بديل لها جراء تدهور الوضع المادي للأسرة. وعقب تفشي وباء كورونا استسلمت بعض الأمهات المتعايشات مع المرض لقرار الرضاعة الطبيعية لعدم امتلاكهن ثمن اللبن الصناعي. لم تعلم سعاد (40 عاما) أنها حاملة لفايروس “إتش.آي.في” المسبب لمرض الإيدز إلا بعد مرور ثلاثة أعوام عقب فقدان طفلتها الثانية والتي توفيت نتيجة انتقال العدوى لها عن طريق الرضاعة الطبيعية.. إنها قصة من بين قصص أخرى مشابهة روتها نساء مصريات عن معاناتهن مع مرض الإيدز في ظل جائحة كورونا، لموقع “احكي” الإلكتروني في مقال نُشر تحت عنوان “متعايشات الإيدز والمعاناة المزدوجة من كورونا”. ويعود تاريخ إصابة سعاد إلى عام 2004، حيث أصيبت نتيجة إجراءات طبية خاطئة، منها استخدام الأدوات غير المعقمة، على حد قولها، حيث أن “الطبيب كان مرتديا قفازات ويتنقل من سيدة إلى أخرى”. وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية وصل عدد الأشخاص الذين أصيبوا بفايروس “إتش.آي.في” المسبب لمرض الإيدز في العالم إلى 38 مليون شخص. ورغم التقدم الذي أحرز خلال الأعوام الماضية، إلا أن برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز حذر من ارتفاع حصيلة المصابين بالإيدز في العالم بسبب انتشار فايروس كوفيد ـ 19. وتشير بيانات جديدة إلى تأثير الجائحة على المدى الطويل على الاستجابة العالمية لمكافحة فايروس الإيدز. في عام 2016، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة هدفا يتمثل في خفض الإصابات الجديدة بفايروس نقص المناعة المكتسبة، إلى أقل من 500 ألف إصابة بحلول عام 2020. وفي العام الماضي، بلغ عدد الإصابات مليونا وسبعمئة ألف، أي ثلاثة أضعاف الهدف. وبالمثل، فإن الوفيات المرتبطة بالإيدز البالغ عددها 690 ألف حالة في عام 2019 تتجاوز بكثير الهدف المتمثل بأقل من 500 ألف حالة وفاة سنويا. يذكر أن برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز قد أعلن عام 2014 عن مبادرة تهدف إلى القضاء على الإيدز والتي عرفت باسم “استراتيجية 90 – 90 – 90”. وكان هدف المبادرة ضمان معرفة 90 في المئة من المتعايشين مع الفايروس، وتلقي 90 في المئة من المصابين بالفايروس للعلاج، وانخفاض الحمل الفايروسي لدى 90 في المئة ممن يتلقون العلاج بحلول عام 2020. وذكر برنامج الأمم المتحدة في تقرير عام 2020 أنه “لن يتم تحقيق الأهداف العالمية المتعلقة بـ”إتش.آي.في” العام 2020. وحتى المكاسب التي تحققت يمكن أن تضيع ويتعثر التقدم بدرجة أكبر إذا لم نتخذ الإجراءات المطلوبة”. تقول الدكتورة فتيحة غفران المشرفة على أحد مشاريع الجمعية الأفريقية لمحاربة الإيدز في المغرب، وهي أول جمعية لمكافحة الإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتأسست عام 1988 “وجدنا أنفسنا مضطرين للتأقلم والمساهمة حتى في محاربة وباء كوفيد ـ 19 عن طريق تلبية حاجيات جديدة ظهرت عند الفئات الأكثر ضعفا، مثل توفير المعقمات والكمامات من أجل حمايتهم من مرض كورونا. التحدي الآخر هو أن الحجر الصحي شكل عائقاً أمام إيصال الدواء للمرضى، ولهذا حاولنا إيجاد طرق أخرى لإيصال الدواء، ومنها البريد”. وأضافت أن “وباء الإيدز لم ينته بعد، بل على العكس من ذلك فإن إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ساهمت في تقليص عدد الخدمات وبرامج الدعم والتكفل الطبي والنفسي والاجتماعي للأشخاص المتعايشين مع فايروس الإيدز”. وعلاوة على ذلك، ذكرت غفران أن الجائحة شكلت عائقاً كبيراً أمام عملية إجراء اختبارات الكشف عن المرض والوصول إلى وسائل الوقاية. كما عبّرت عن تخوفها من تأثير الجائحة على جهود الجمعيات والمنظمات الإنسانية لمكافحة المرض، وتوقّعت تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد الحالات المصابة بالإيدز خلال السنة القادمة. ويفتك مرض الإيدز بالآلاف من الأشخاص المصابين به سنوياً، لكن في العالم العربي يعتبر حتى الحديث عن الإصابة به من المحظورات، وهذا ما يزيد من انتشاره الصامت في ظل عجز السلطات عن التوعية من مخاطر العدوى به. ويقرُ برنامج الأمم المتحدة لمحاربة الإيدز أن بعض بلدان المنطقة العربية بدأت تدرك بالفعل حجم خطورة الموقف، وتعمل جاهدة على تعزيز وسائل الوقاية. ولا تعكس الأرقام والبيانات الرسمية أعداد المصابين الفعليين على أرض الواقع بسبب وصمة العار التي تلاحقهم داخل المجتمع وعدم وجود أنظمة فعالة في معظم الدول العربية لمراقبة المصابين. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن أربع دول فقط من 23 دولة لديها نظام فعال لمراقبة فايروس نقص المناعة. وأفادت دراسات أن 32 في المئة فقط من المصابين يتلقون العلاج بمضادات الفايروسات المطلوبة وهو رقم أقل بكثير من المستوى العالمي البالغ 59 في المئة. ولا تزال الأرقام في البلدان العربية مخيبة للآمال بالنسبة إلى مستوى الوعي بالمرض. ويرتبط هذا جزئيًا بتجريم المجتمع العربي للأشخاص المصابين والتمييز الذي يمارس على نطاق واسع وبشكل منتظم. وتقول سهام وهي امرأة جزائرية مصابة بالإيدز، إنها تعاني من الألم الذي يسببه المرض إلا أنها تعاني أكثر من النظرة السلبية للمجتمع الذي يوصم النساء المريضات على أنهن “عاهرات حتى عندما يكون الزوج هو من نقل لهن المرض”. سهام وهذا ليس اسمها الأصلي، سمراء جميلة تبلغ من العمر 36 سنة ومطلقة منذ عشر سنوات، تقول إنها “عادت إلى بيت أهلها حاملة لفايروس الإيدز في حقائبها”. مشيرة إلى أن أملها في الزواج مرة أخرى ضعيف جداً. وتروي سهام قصة مرضها وطلاقها والدموع في عينيها قائلة “زوجي نقل إليّ العدوى وتحدث في كل مكان أنّي مصابة بالإيدز. ففي نظر المجتمع أنا المذنبة”، بما أن زوجها طردها بعد ستة أشهر من الزواج. وتؤكد بمرارة “لا أحد يشك بالرجل”. وفي الجزائر المحافظة يعد الإيدز كما كل “الأمراض الجنسية”، مرضاً يجلب العار لدرجة أن العائلات تخفيه عن المجتمع وترجع الوفاة في حال حصولها إلى أمراض أخرى. والوضع أكثر تعقيداً بالنسبة إلى النساء فثمة اعتقاد منتشر بأن المرأة المصابة بالإيدز ارتكبت فعل الخيانة الزوجية أو الدعارة. وأفاد أكثر من 50 في المئة من الأشخاص الذين شملهم استطلاع للرأي والذين يعيشون بفايروس نقص المناعة المكتسبة في الجزائر أنهم محرومون من الخدمات الصحية بسبب الإصابة بفايروس نقص المناعة. ويقول مدير برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز في الجزائر عادل زدام إن الإيدز بالنسبة إلى النساء “هو رمز العار، وهو ما يفسر النظرة السلبية للمجتمع”. وتؤكد نوال لحوال رئيسة جمعية “حياة” للأشخاص المصابين بالإيدز أن النساء هن ضحايا “عقوبة مزدوجة، نقل المرض من طرف الزوج ونظرة المجتمع السلبية”. ويشير طبيب في مستشفى القطار (المتخصص بالأمراض المعدية) في العاصمة الجزائرية، إلى حالة مصاب بالإيدز تزوج أربع مرات من دون الإعلان عن مرضه، ما تسبب في وفاة زوجاته الأربع. ومع أن القانون يفرض تقديم شهادة طبية تثبت خلوّ الزوجين من أيّ أمراض تنتقل عدواها بالجنس، إلا أن “بعض الأطباء يقدمون هذه الشهادة من دون فحص الزوجين والنساء لا يجرؤن على تقديم شكوى” بعد اكتشاف المرض، حسب ما يقول موظف من مصلحة الحالة المدنية المكلفة بإصدار عقود الزواج. إلا أن قصة صافية (42 سنة) تعطي بعض الأمل، فبعد وفاة زوجها في العام 1996 بمرض الإيدز، تعرفت على رجل أقرت له بإصابتها وتقول “فتزوجني عن حب دون أن يخبر والديه حتى يحميني”. وبفضل نصائح طبيب حول شروط الوقاية التي يجب احترامها، يعيش الزوجان حياة حب منذ أربع سنوات من دون أن ينتقل الفايروس إلى زوجها. أكدت الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية أن سنة 2020 كانت استثنائيًة بكل المقاييس، حيث قدرت وزارة الصحة أن عدد حاملي فايروس نقص المناعة بلغ 6466 شخصًا منهم 1303 فقط على علم بإصابتهم وخاضعين للعلاج، من بينهم 745 رجلاً و524 امرأة و34 طفلاً. وأعربت الجمعية عن قلقها إزاء الزيادة المهولة في عدد النساء المتعايشات مع فايروس نقص المناعة. وأدانت النقص المذهل في الاعتمادات المالية، والصعوبات المفرطة التي يواجهها المتعايشون مع فايروس الإيدز للحصول على وسائل مكافحة الفايروس الأساسية الثلاث، العلاج والخدمات والوقاية. وفي السعودية تختلف مأساة مرضى الإيدز باختلاف المدن. فتتعامل المدن ذات الكثافة السكانية الأكبر مع المرضى بوعي أفضل من القرى أو المدن الصغرى، لاسيما أنّ الوعي حيال هذا المرض يقلّ بشكل كبير في المجتمعات المنغلقة أو المعروفة بالمراكز القبلية. إلا أنّ الإصابة بمرض الإيدز ترتبط في أذهان السعوديين بالعقوبة الإلهية. وبحسب الإحصاءات الرسمية لتعداد مرضى الإيدز في السعودية يصل عدد الحالات المكتشفة منذ بداية عام 1984 حتى نهاية عام 2013، إلى 20539 حالة. وتتكفل الدولة برعاية المرضى من خلال وزارة الصحة التي تحاول حصر علاجهم بالمستشفيات الحكومية التي تحتوي على أقسام خاصة بالأمراض الوبائية. الأرقام والبيانات الرسمية لا تعكس أعداد المصابين الفعليين على أرض الواقع بسبب عدم وجود أنظمة فعالة في معظم الدول العربية لمراقبة المصابين وفي لبنان سجّل عداد الإيدز لدى وزارة الصحة 148 حالة جديدة في العام 2020، بينها 137 إصابة لدى الذكور و11 لدى الإناث، ما رفع العدد التراكمي إلى 2718 حالة مسجّلة على منصّة الوزارة تحت إشراف البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز الذي أظهرت بياناته أن الفئة العمرية الأكثر عرضة للإصابة تركزت ما بين 30 و50 عاماً. وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن حاملي الفايروس في لبنان تجاوز عددهم الـ30 ألفاً. وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أن هناك 11 ألف مصاب بفايروس الإيدز في اليمن، يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة. أما في مصر فقد خصّصت الحكومة في الـ9 من مارس 2020 مستشفيات الحميات في البلاد، وهي المراكز الوحيدة التي يمكن فيها لحاملي فايروس نقص المناعة الحصول على هذه الأدوية، كمراكز فحص فايروس كورونا. وقال مصريون يحملون فايروس الإيدز إنهم “خائفون للغاية” من الذهاب هناك للحصول على أدويتهم خوفا من الإصابة بكورونا. وقال رجل مصري عمره 26 عاما يعمل في فندق، ويحمل فايروس نقص المناعة منذ 2014، إنه بعدما أجّل استلام دوائه ذهب في النهاية إلى مستشفى حميات العباسية. وقال “رغم وجود أقسام منفصلة في المستشفى لمرضى فايروس كورونا، فإنني ربما أكون قد تعرضت للفايروس لأنني اضطررت إلى دخول المستشفى من خلال نفس المدخل”. وأضاف أن المستشفى لم تمنحه كمية تكفي لعدة أشهر، ولكن بعد احتجاجه، وافقوا على إجراء استثنائي بمنحه كمية لشهرين. ويعد استمرار الرعاية ضروريا لفعالية علاج فايروس نقص المناعة، إذ يؤدي إلى انخفاض الحِمل الفايروسي وحماية جهاز المناعة لدى الفرد وتقليل إمكانية انتقال الفايروس. قد تؤدي الانقطاعات في العلاج إلى زيادة خطر تطور مقاومة فايروسية وتؤدي إلى تهديد أكبر بالإصابة بعدوى انتهازية قاتلة. وقالت ويني بيانيما المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز “يجب اتخاذ إجراء حاسم كل يوم خلال العقد المقبل حتى يعود العالم إلى المسار الصحيح لإنهاء وباء الإيدز بحلول عام 2030”. وذكر البرنامج أن أسوأ منطقتين انتشر فيهما فايروس نقص المناعة المكتسبة هما شرق أوروبا وآسيا الوسطى إذ شهدتا معا زيادة “مذهلة” بنسبة 72 في المئة في الإصابات الجديدة بالفايروس منذ عام 2010. كما ارتفعت وتيرة العدوى الجديدة بالفايروس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 22 في المئة. واعتبرت الجمعية أنّ على العالم وتونس أن يتعلموا دروس كورونا لأن 32 عاما انقضت لم تكن كافية لإنقاذ البشرية من وباء آخر، هو فايروس نقص المناعة المكتسبة. مع ذلك، فإن التعاون العالمي المذهل الذي نجح في الوصول إلى لقاحات لفايروس كورونا في أقل من 12 شهرا، يعلّمنا أنه مع تكاتف الجهود العالمية يمكن اختصار الكثير من العقبات، وهذا أمر قد يساعد في كفاح العلماء للوصول إلى لقاح للإيدز. وقال مايك بودمور، مدير مؤسسة “ستوب إيدز” في المملكة المتحدة إن “الأشهر العشرة الماضية عززت روح التعاون بين الجهات الصحية العالمية الرائدة والحكومات وصناعة الأدوية، التي ينبغي تبنّيها بالمثل لمكافحة فايروس نقص المناعة المكتسبة”، مضيفا أن “تعبئة الهيكل الصحي العالمي والمؤسسات المختلفة معا وتجميع التمويل على المستوى العالمي، كل هذه الاستجابة السريعة تظهر ما يمكننا فعله عالميا إذا اخترنا التنسيق والعمل معا، ودعم بعضنا البعض تضامنا”.

مشاركة :