إذا كانت المملكة هي البلد الأكثر استهدافًا عالميًّا بالحملات الإعلامية المعادية، فإن حج هذا العام تجلّت فيه تلك الحملات المجحفة -معروفة المصادر والأهداف- بشكل أكثر وضوحًا من أي وقتٍ مضى. لن أفرد مقالي للحديث عن الحملات الإيرانية، وتلك التي تدور في فلكها، فالنظام الإيراني هو قطعًا آخر من يحق له الحديث عن الحج وإدارته وتنظيمه، فتاريخه الأسود في مواسم الحج معروف للجميع، والعودة لأكثر الحوادث إيلامًا في مواسم حج ماضية ثبت تورّط إيران فيها بشكل مباشر، ومنها تلك التي حدثت عامي 1987 و1989م، وراح ضحيتها مئات الحجاج. هذه العمليات التخريبية الإيرانية لا يتوقع لها التوقف، لأنها قائمة على أسس عقدية تنفيذًا لمراسمهم المُسمَّاة «البراءة من المشركين»، التي تعتبر عند رجال الدين الخمينيين من «أركان فريضة الحج التوحيدية التي بدونها لا يكون الحج صحيحًا». حج هذا العام في الواقع شهد تغطيات إعلامية لافتة تستحق الإشادة، بل تستحق أن تكون دروسًا في المهنية والمصداقية الإعلامية. ومن أبرز تلك التغطيات تقارير لـCNN عن حادثة سقوط الرافعة استهلها «براندون ميلر» بشرح تفصيلي مُصوَّر مُتميّز، وصف فيه كيف انخفضت الحرارة في مكة -ذلك اليوم- بشكلٍ لافت من 40 إلى 25 درجة مئوية خلال ساعتين، وكيف تصاعدت سرعة العاصفة من 22 إلى 75 كم في الساعة. تلا ذلك تقارير تحدّثت عن كل التفاصيل الأخرى ذات العلاقة، من تضاريس، ومشروعات ضخمة، وكثافة للحجاج، دون أن يقفز أيّ منها لتوجيه أصابع الاتّهامات، مكتفيًا بالقول: «إن المملكة تنظر في الأسباب»، ومثيرًا بعض التساؤلات العقلانية والمنطقية. واشنطون بوست كانت لها أيضًا تغطيات مُميَّزة، منها مقال لـ»آدم تيلور» عن حادثة التدافع في منى، تناول فيه تزايد الحجاج من 60,000 عام 1920م إلى 3 ملايين هذا العام، مع ثبات المساحة الصغيرة جدًّا التي تستقبلهم، واصفًا المشاعر بأنها «أعقد مشكلة مشاة في العالم»، وأنه «مهما بلغت الجهود والإنفاق فإنه لا ضمان لعدم وقوع حوادث مماثلة». نفس الصحيفة نشرت مقالاً آخر لـ»راشيل فيلتمان» عنوانه: «ماذا يمكن للبحث العلمي إفادتنا به عن التدافع البشري»؟ تناولت فيه مجموعة من حالات التدافع القاتلة حول العالم، وشرح العلماء لأسبابها، مختتمة مقالها بعبارة: «ستظل حالات سقوط الحشود، ودهسها احتمالاً واردًا في أي تجمعات بشرية مماثلة». ختامًا، ليس مطلوبًا من الإعلام كيل المديح للمملكة على جهودها الجبارة في خدمة الحج، كما أنه ليس مطلوبًا منه عدم انتقاد الأخطاء، فالانتقادات أداة هامة من أدوات الإصلاح والتطوير. المطلوب فقط هو تحري النزاهة والمهنية، وأن تكون الانتقادات صادقة، لا تهدف لتسييس الأخطاء (بالطريقة الإيرانية)، أو توظيفها لتحقيق ولاءات، ومزايدات رخيصة (بطريقة بعض الحزبيين).. وتأكدوا أن التفريق لم يعد صعبًا.
مشاركة :