العالم يقف في مواجهة كارثة تغير المناخ، فكمية ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي للأرض ارتفعت بسرعة مذهلة مؤدية إلى الاحترار العالمي. في بداية الثورة الصناعية، كانت النسبة نحو 280 جزءًا بالمليون، وبحلول عام 1958 كانت 315 جزءًا بالمليون. وقبل بضع سنوات بلغت 415 جزءًا بالمليون، وهي الآن ترتفع بنحو جزأين إلى ثلاثة أجزاء بالمليون كل عام. نحن نواجه مهمة شبه مستحيلة تتمثل بخفض انبعاثات الكربون إلى الصفر في عام 2050 (كتاب «في الوقت والماء»، أندري ماجناسون). قضية تغير المناخ تحولت من اهتمام عادي إلى أحد أهم أولويات الدول خاصة تلك التي تعتبر المصدر الرئيس للانبعاثات وفي مقدمتها الصين وأمريكا حيث النسبة التقريبية لانبعاثات الغازات من الكمية العالمية، هي: 29 % للصين، 14 % لأمريكا، 10 % لدول الاتحاد الأوربي، 7 % للهند، 5 % لكل الدول العربية (منشورات الاتحاد الأوربي). لذا، هناك اتفاق دولي واضح على ضرورة الحد من هذه الانبعاثات والوصول إلى طاقة خالية أو محايدة طبيعياً من الانبعاثات، وهناك عمل جدي فعلي، فقد تعهدت أغلب دول العالم بأن تكون خالية من الانبعاثات في السنوات الثلاثين إلى الأربعين القادمة. «من الصعب تخيل وقت آخر بالتاريخ عندما تشترك العديد من البلدان، بغض النظر عن نوع النظام، في هدف مشترك.» كما تقول البروفيسورة كارولين كيسان (عضو اللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية الصينية). هذا بحد ذاته أمر عظيم النفع، لكن المسارات الوطنية لبلوغ هذا الهدف مختلفة، فالصين وأمريكا تعملان بانفراد، فإلى أين سيتجه المسار؟ مجلة فورين بوليسي أصدرت عدداً خاصاً عن القوتين المهيمنتين على الكربون بالعالم، الصين وأمريكا، اللتين غيرتا أولوياتهما في الأشهر الأخيرة، فلم يعد موضوع المناخ ينال اهتماماً بمتخصصي البيئة فقط بل أولوية تديرها قيادة الدولة التي وعدت في كلا البلدين بإصلاح أنظمة الطاقة الخاصة بهما وتحديد أهداف خالية من الانبعاثات.. كتبت كارولين كيسان: «أن المناخ انتقل من أولوية منخفضة إلى مرتبة عليا، إيذانًا ببدء حقبة جديدة من فن الحكم المناخي. ما يعنيه هذا عمليًا هو كيف تستخدم البلدان أجندة يحركها المناخ حول التجارة والتمويل والتنمية والأمن الوطني والدولي، فضلاً عن أدوات إدارة الدولة. حتى الدولتان المهيمنتان على الكربون -الولايات المتحدة والصين -تتخذان إجراءات مناخية أكثر جرأة.» كيسان ترى أن السباق نحو «صفر انبعاثات» سيطلق العنان لمرحلة جديدة من منافسة الطاقة والتكنولوجيا النظيفة، خاصة بين الولايات المتحدة والصين. هذه المنافسة قد تكون مفيدة في دفع إزالة الكربون إلى الأمام خارج حدودهما؛ حيث تتسابق الحكومات في قطاعات التجارة والتمويل والتنمية والأمن، للاقتراب من صفر انبعاثات غازية. صحيح أن أمريكا والصين لا تتعاونان على نطاق واسع في ظل التوتر الحاصل بينهما، لكنهما جعلتا المناخ جزءًا أساسيًا من السياسة المحلية والدولية المستقبلية، مما سيؤثر في التطورات التكنولوجية النظيفة، والمنافسة في ذلك. هذه المنافسة قد تؤدي إلى تعزيز الحلول وتمكين منفعة جماعية من خلال الاستثمار في التقنيات الجديدة ونشرها عالميًا. لكن هل يتعين على البلدين العمل معًا لمواجهة تغير المناخ؟ ليس بالضرورة كما تقول لوري ميليفيرتا (الباحث الرئيسي بمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف). في الواقع، كما كتبت، قد تكون المنافسة أقوى من التعاون، خصوصاً أن كل منهما لديه الموارد اللازمة لخفض الانبعاثات بالداخل والتأثير على البلدان بالخارج. المنافسة الصينية الأمريكية جيدة لجهود تغير المناخ في بيئة دولية مثيرة للنزاع، إذ يمكن للقوى العظمى أن تحفز بعضها البعض في هذا المضمار. أما ميليندا ليو (مديرة مكتب نيوزويك في بكين) فترى أن هذه القضية المصيرية والوجودية لمسألة المناخ تعطي الأمل بالتعاون بين البلدين، إذ يمكن أن تُحدث علاقة كيري-شيه فرقًا بشأن تغير المناخ.. وكتبت أن السياسة الخارجية المدفوعة بالمناخ تقدم بصيص أمل لإعادة العلاقات الثنائية، على الرغم من تدهورها المستمر حتى خلال فترة الرئيس الأمريكي جو بايدن. كذلك فإن جون كيري المبعوث الأمريكي للمناخ يؤكد أنه بالوقت الحالي، على الأقل، تضع واشنطن أنظارها على التعاون «لدينا اختلافات أخرى حول حقوق الإنسان والمصالح الجيوستراتيجية، لكن هذه الاختلافات لا يجب أن تقف في طريق شيء مهم مثل التعامل مع المناخ.» (مجلة فورين بوليسي). في حين أن المبعوث الأمريكي السابق للمناخ تود ستيرن أوضح أنه رغم أن التعاون سيكون لطيفًا، إلا أن الأهم منه هو أن كلا البلدين يتصرفان بقوة بشأن المناخ، مؤكداً أن «ما هو واضح هو أن العالم لا يمكن أن يصل إلى حيث ما نطمح إليه بدون الصين». مسألة تغير المناخ هي قضية وجودية ومصيرية لكل سكان الأرض، وهناك إجماع دولي على ذلك. ومن هنا جاءت اتفاقية باريس للمناخ الهادفة إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين مئويتين والسعي لحده في 1.5 درجة عبر خفض الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، واحتواء تداعيات الاحترار من جفاف وفيضانات وعواصف وحرائق وغيرها من سلبيات على البيئة والصحة والاقتصاد. لكن إذا كانت الصين وأمريكا مستعدتان لمواجهة تغير المناخ، فهل تمتلكان الجراءة لفعل ذلك!؟
مشاركة :