أفريقيا لا تستطيع مواجهة تغير المناخ بمفردها

  • 1/12/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا تساهم قارة أفريقيا بأي قدر تقريباً في ظاهرة الانحباس الحراري الكوكبي. الواقع أن سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة ــ نحو 17% من سكان العالم ــ مسؤولون عن أقل من 3% من الانبعاثات الغازية العالمية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. علاوة على ذلك، تشير البيانات إلى أن غابات حوض نهر الكونغو وحدها تمتص 3% من الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون كل عام. مع ذلك، تجد أفريقيا نفسها عند الخطوط الأمامية بين المتضررين بالتأثيرات المترتبة على تغير المناخ. تناضل القارة بالفعل في مواجهة كوارث أكثر تواتراً متعلقة بالمناخ، فضلاً عن الطقس متزايد الحرارة، وعدم انتظام هطول الأمطار، وارتفع مستويات سطح البحر، وكل هذا يجلب مأساة إنسانية، واضطرابات اجتماعية، وارتباكات اقتصادية. على سبيل المثال، مع كل حالة جفاف جديدة، قد ينخفض نصيب الفرد في النمو السنوي في الأمد المتوسط بمقدار نقطة مئوية. كمثل الحال في البلدان في كل مكان، يتعين على صناع السياسات في أفريقيا أن يحتضنوا التحول العالمي الحتمي إلى اقتصاد منخفض الكربون. بالإضافة إلى ملاحقة هدف التقدم الاقتصادي لرفع مستويات المعيشة، يتعين عليهم أن يسارعوا إلى بناء القدرة على الصمود في مواجهة صدمات المناخ، خاصة في البلدان التي تعتمد على الزراعة المطرية. لهذا السبب، اعتمد الاتحاد الأفريقي خطة تسريع التكيف في أفريقيا، التي تدعو إلى تكثيف الاستثمارات في البنية الأساسية المرنة، والزراعة المتكيفة مع تغير المناخ، والتحول الرقمي، وإصلاحات التجارة، وتوسيع نطاق تغطية شبكات الأمان. هذه التدابير ليست فقط أكثر فعالية من حيث التكلفة بنحو 12 مرة من عمليات الإغاثة في حالات الكوارث؛ بل ستعمل أيضاً على توليد فرص العمل، وزيادة الدخل. لكن ثمن العمل المناخي كبير، ويأتي على رأس ما هو مطلوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، في إطار قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26)، أشار قادة أفريقيا إلى أن المنطقة تحتاج إلى 1.3 تريليون دولار على مدار العقدين المقبلين للتكيف مع تغير المناخ وتخفيف التأثيرات المترتبة عليه. من الواضح أن المبالغ المطلوبة ليست في متناول البلدان الأفريقية، وخاصة الآن وقد تسببت جائحة «كوفيد 19» في دفع مستويات الديون إلى الارتفاع وتقييد النمو. وكانت الجهود التي بذلها المجتمع الدولي حتى الآن قاصرة. نحن في احتياج إلى أفكار وأساليب جديدة. أولاً، يجب استخدام المنح والتمويل الميسر بقدر أكبر من الفعالية. ويتعين على صناديق المناخ متعددة الأطراف، وبنوك التنمية، وغير ذلك من مقدمي التمويل، البحث عن فرص لتبسيط الموافقات على المشروعات (مع الحفاظ على الضمانات) لجعل الأموال تتدفق بشكل أسرع إلى حيث تشتد الحاجة إليها. ومن الممكن أيضاً أن تساعد التدخلات الجيدة التوجيه التي تزيل الاختناقات أو تعالج إخفاقات السوق، في حشد التمويل من القطاع الخاص. على سبيل المثال، يُـرسي توسيع نطاق تغطية الاتصال الرقمي الأساس اللازم لتمكين رواد الأعمال من توفير التأمين على المحاصيل، أو غيرها. ثانياً، يتعين علينا أن نعمل على توسيع آليات التمويل الجديدة عبر القطاعين العام والخاص. من الممكن أن تساعد السندات الخضراء في تمويل المبادرات المتعلقة بالمناخ بمعدلات منخفضة نسبياً، لكن أفريقيا تأتي متأخرة عن مناطق أخرى في هذا المجال الحاسم. خلال الفترة من 2007 إلى 2018، كانت المنطقة تمثل نحو 2 مليار دولار من الإصدارات ــ 0.4% فقط من سوق السندات الخضراء عل مستوى العالم. في أماكن أخرى، تعمل برامج جديدة على ربط التمويل بشكل مباشر بالعمل المناخي. وافقت المملكة المتحدة مؤخراً على تقديم 500 مليون دولار لجمهورية الكونغو الديمقراطية للحد من خسارة الغابات. وأبرمت النرويج اتفاقاً مماثلاً مع الغابون بقيمة 150 مليون دولار. وتتمثل فكرة مشابهة في «مقايضة الديون بالعمل المناخي». سوف يتطلب ربط تخفيف أعباء الديون بالعمل المناخي مجموعة ضخمة من الديون القابلة للمقايضة فضلاً عن مؤشرات أداء موحدة وغير ذلك من البيانات ذات الصلة. ثالثاً، يجب أن ندرك أن مساعدة الحكومات الأفريقية في الوصول إلى مصادر جديدة لرأس المال ــ بما في ذلك الإبداع في تمويل المناخ ــ تعتمد بشكل كبير على تحسن تصنيف مخاطر الائتمان المرتبطة بها. على الجانب المحلي، يعني هذا تحسين الحوكمة ــ ولا سيما من خلال إصلاح المشتريات وإدارة الاستثمارات العامة، والمالية العامة، والديون، وضمان خطط الاستثمار المستدامة مالياً ومحددة التكلفة بعناية. يضطلع صندوق النقد الدولي بالفعل بدور مهم في مساعدة الحكومات الوطنية على بناء قدرتها على التصدي للتحديات المناخية (كانت جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أوائل الدول المتلقية للدعم من جانب صندوق النقد الدولي لتنمية القدرات التي تركز على العمل المناخي). ومن خلال مراقبة المادة الرابعة في الاتفاقية المؤسسة للصندوق، يظل المستثمرون على اطلاع على التقدم الذي تحرزه البلدان في تنفيذ تدابير التكيف مع المناخ. على الجانب الدولي، من الممكن أن تساعد التدابير الموحدة ــ مثل نظام ضمانات الخسارة الأولى ــ في تحسين تصنيفات المخاطر وتحفيز التدفقات المالية الخاصة. وسوف يكون التصميم الدقيق مطلوباً لضمان تقاسم المخاطر على النحو اللائق عبر القطاعين العام والخاص. يتمثل نموذج واعد في إصدار «سندات زرقاء» بقيمة 15 مليون دولار لصالح سيشل في عام 2018. بضمان من البنك الدولي، تعمل هذه الأداة على تمويل المشاريع المرتبطة بالمحيطات، كما تساعد في خفض الدين الوطني. في حين أن هذه الأمثلة تُـظـهِـر ما يمكن إنجازه من عمل، فإن الأمر يتطلب عملاً أكثر شمولاً في مختلف أنحاء القارة الأفريقية. لن يقودنا العمل كالمعتاد إلا إلى إحداث ارتباكات هائلة في حياة الناس وسبل عيشهم، في حين أن التكيف المصمم على النحو اللائق بالاستعانة بالتمويل الجيد من الممكن أن يضمن استمرار التنمية، وتجهيز الناس للعيش والعمل والازدهار في ظل الاقتصاد المناخي الجديد. ما يدعو إلى التفاؤل أننا نشهد الآن ظهور استعداد عالمي جديد لمعالجة أزمة المناخ واغتنام الفرص المرتبطة بالمناخ. أسفرت قمة الأمم المتحدة الأخيرة بشأن تغير المناخ عن إبرام اتفاقيات عالمية جديدة بشأن قضايا عصيبة مثل إعانات دعم الفحم والطاقة، وعملت على توليد صفقات مصممة حسب الطلب مثل مزيج المنح والقروض الرخيصة بقيمة 8.5 مليارات دولار لمساعدة جنوب أفريقيا في إزالة الكربون من اقتصادها. علاوة عل ذلك، بعد تخصيص 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (وحدة الحساب التابعة لصدوق النقد الدولي) الجديدة مؤخراً، أُعـطي الصندوق الضوء الأخضر لإنشاء صندوق ائتماني جديد للمرونة والاستدامة. سوف يوفر هذا المرفق التمويل الميسور الأطول أجلاً للدول الأعضاء الفقيرة والمعرضة للخطر بين البلدان المتوسطة الدخل والدول الصغيرة التي تقوم بتنفيذ إصلاحات بنيوية لتحويل اقتصاداتها ومعالجة المخاطر المناخية. *المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي. ** رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :