عرفها وهو في الثانية عشر من عمره وهي في الحادية عشرة من عمرها كانا يلتقيان في الوادي يرعيان حلال أهلهما ويلتقيان في الطريق إلى البئر لإحضار المياه ، وشيئا فشيئا ألفا بعضهما و أصبحا ينسقان ببراءة للرعي معا والذهاب إلى البئر معا بعيدا عن بقية الرعاة والواردين فكانا يلتقيان يوميا للرعي معا وكانا يقضيان وقت الرعي في لعب ( الزقّيط ) لوحدهما تحت دومة الرّعيان والزّقيط لعبة بسبعة من الحصى الصغير حيث يمضي وقت الرعي وهما مندمجان في اللعبة وضحكاتهما تملأ فضاء الكون بينما كانا يتناوبان إعادة الهوش حال ابتعاده وكثيرا ما كان أحمد يقوم بذلك في كل مرة بدلا من ليلى ! وعند (الوريد) أي الذهاب للبئر جعلا ( المزاوم ) وهي قصب الذرة بعد تجفيفه وتجميعه بشكل رأسي مكانا لينتظر أحدهما الآخر في الطريق إلى البئر وجعلا ( العرج) اللي عند البئر مكانًا لينتظر أحدهما الآخر للعودة معا كان أحمد يحكي لليلى قصص الدراسة وهي تستمع بدهشة وبشغف وسعادة لأنها لم تكن تدرس بينما تحكي له هي ما تقوم به من نفعة في البيت خاصة وهي فتاة وحيدة بين خمسة ذكور كلهم أكبر منها وكيف أنها تكنّس البيت وتغسل الملابس وتقوم بمعظم أعمال البيت مع أمها مضت ثلاث سنوات وهما معا ووصل عمر أحمد خمسة عشر عاما وعمر ليلى أربعة عشر عاما وارتبط احمد بليلى وجدانيا فكانت أول خط يكتب في صفحة قلبه البيضاء وأول رجفة يشعر بها في قلبه الصغير وبدأ أحمد في تلك السن يكتب مشاعره في دفاتر خاصة وكان يكتب عن ليلى بالذات عن اسمها وملامحها ونبرة صوتها وبسطتها وضحكتها وازداد تعلقه بها و أصبح لقاءها أهم جزء في يومه كانت ليلى تنتظره عند المزاوم وعندما يصل تمد يدها له يوم بعود من الريحان ويوم آخر بعود من البعيثران تمد بها له وهي مبتسمة والحياء يلوّن ملامحها بينما تملأ الابتسامة ملامحه ويمضيان إلى البئر كل يحكي للآخر أحداث يومه و أحداث البيت مع الأهل وعند العودة ينتظرها تحت العرج حتى تملأ جرارها ويعودان معا حتى نقطة الفراق ليجري الاتفاق على موعد ( الوريد ) التالي وكان يبادلها الهدايا فيقدم لها زهرة السكب أو عذق شويط أيام الشويط أو بسكوت يحضره من المدرسة خصيصا لها عاشا أجمل وأصدق مشاعر الحب الفطري البريء خلال أربع سنوات وحينما وصل أحمد الصف الأول الثانوي اختفت ليلى فجاة ولم تعد ترعى ولا ترد إلى البئر يذهب أحمد يدور حول بيتها لا يراها يذهب إلى البئر لا يجدها ينتظر عند المزاوم لا تاتي فسأل والدته عنها فقالت له ليلى خطبها ولد عمها وشتتجوّز !! خلاص لاعاد رعي ولا وريد من اليوم ماعاد تطلع ليلى ..عيب ! صدم أحمد صدمة كبيرة كان يرى الأمر نوع من الجنون وبدأ يحدث نفسه تتجوّز !! كيف ؟ بدري ؟ مستحيل !! وتوقف هو عن الرعي والوريد كان أحمد قد سمى كل شيء في الحياة باسم ليلى اسمها الشاعري الجميل الذي حينما يُنطق له موسيقى تملأ الفضاء وتستمع لها كل المخلوقات .. كان يرى أن اسم ليلى هو كل الحروف الهجائية وهو كل اللغات وهو كل الشعر والنثر واسم ليلى هو اسم كل الأشياء الجميلة في الحياة وهو اسم كل النساء فليلى هي الورود والعطور وهي زقزقة العصافير ودندنة العود والمواويل والغناء وهي السحاب و المطر كما ربط كل شيء بملامحها الجميلة شعرها الطويل عيونها ابتسامتها ضحكتها الموسيقية وغمازاتها التي كانت تجعل قلبه يرتجف سعادة وكانت أكثر ما يعشقه فيها حتى أنه كان يطلب منها أن تضحك دون سبب وحينما تسأله بكل براءة .. لمه؟ يقول لها بكل حب .. اضحكي بس! فتضحك ويضحك وتضحك معهما الحياة كان أحمد قد رسم العالم بملامح ليلى فملامحها هي خريطة الجمال في كل العالم ملامحها هي ملامح الكون ملامحها هي كل معاني الحسن هي ملامح كل النساء فليلى هي كل النساء وهي كوكبه الصغير الذي يعيش داخله وهي سماؤه التي يتطلع إليها ويتفكر فيها ملامحها هي قلمه وأوراقه وخيالاته ولوحاته ملامحها هي لمعة الشروق وهي هدوء الغروب ملامحها هي ملامح القمر فكل النساء يفتخرن بالتشبّه بالقمر وليلى يفتخر القمر أنه ياخذ من ملامحها ! أصبح يرى ملامحها في كل شيء جميل ويرى كل شيء جميل في ملامحها اسمها وملامحها شكلا مشاعره ونظرته تجاه كل الأشياء وتجاه الحياة وحينما وصل الثالث ثانوي تزوجت ليلى وغادرت القرية ورغم كثرة الفتيات حول أحمد في البيوت كجيران له وفي المرعى وعند البئر حيث كان يذهب باستمرار لاسترجاع الذكريات إلا أنه كان لا يرى سوى اسم ليلى وملامح ليلى وبقي يعيش بين أوراقه يكتب ويقرأ اسم ليلى ويستمتع بملامحها التي رسمها كتابة وكتبها رسما لقد كان حب ليلى هو الحدث الذي علم أحمد الكلام وهو أيضا الحدث الذي علمه الكتابة بكل جمالها وقيمتها ولذتها وبعد غيابها أصبحت الكتابة هي عالمه حيث يذهب إلى المرعى يسال الدومة وزهر السكب ويسأل حصى الزّقّيط عن ليلى ويذهب إلى البئر يسأل الطريق والمزاوم والعرج ويسأل الماء ويبحث في صور الواردين عن اسم وملامح ليلى ثم يعود ليكتب ويكتب ويكتب عن ليلى حتى يشعر انها بجانبه وأنه يتحدث إلبها ويقول لها اضحكي فتقول له ببراءة .. لمه ؟ فيقول لها بحب .. اضحكي بس ! فتضحك .. ويضحك .. وتضحك معهما الحياة .
مشاركة :