هناك قصة أكرر روايتها للأصدقاء المقربين كلما جاءت سيرة التعليم وشؤونه وشجونه، فقد حدث أن تعرض أحد أبنائي لمضايقة أحد مدرسيه بسببي، أي بسبب كتاباتي الناقدة للتعليم، إذ اعتاد ذلك المدرس المتشدد على مناصحتي من خلال ابني الذي كان في سن لا يدرك فيها معنى المصطلحات التي كان يصفني بها مدرسه ويريد بها ترسيخ صورة سلبية تعني في نهايتها بحسب فهمه خروجي عن جادة الصواب والطريق القويم، وحين فاتحني ابني بما يقوله مدرسه بعد تردد، هاتفت الدكتور محمد الرشيد -رحمه الله- مساء لأنقل له تلك الطرفة المؤذية ولأستشيره فيما يمكنني فعله لإخراج ابني من ذلك المأزق، فما كان منه بعد أن ضحك ضحكة عالية سوى نصيحتي بنقل ابني إلى مدرسة أخرى أقل تشددا بعد أن أقنعني بأنه لا يمكن عمل شيء ذي جدوى حيال المدرس لأنه يتصرف ضمن منظومة كبيرة من أشباهه تعجز كل الإجراءات عن ردعهم أو إصلاحهم. كان الدكتور الرشيد يدرك تماما ضراوة المعركة التي يواجهها كوزير إصلاحي، ويدرك شدة المواجهة التي تتعرض لها أي محاولة لإصلاح التعليم، بل وعلى إدراك تام بلا أخلاقية مثل تلك المواجهة والتكتلات القوية التي تديرها وباستطاعتها تشويه توجهات الإصلاح والنيل من سمعة الأشخاص الذين يتبنونها مهما كانت مواقعهم الرسمية، وهو على رأس تلك المواقع. خرج الدكتور محمد الرشيد من الوزارة لكنه لم يخرج منكسرا بقدر ما كان حزينا. خرج ليناضل من أجل وطنه وأجياله بوسائل أخرى، فكان حاضرا في المؤتمرات التي تناقش التربية والتعليم، يطرح فيها أفكارا مستنيرة تبعث الحزن في نفس المستمع لأن قائلها لم يتمكن من تطبيقها، وأيضا استمر مشاركا بقلمه يكتب المقالات التي لو جمعت لكانت مرجعية في كثير من شؤون التعليم، كما أنه دخل عالم التواصل الاجتماعي ليطل علينا بتعليقات وأفكار تحمل عصارة عمر طويل من التجربة والخبرة والعلم. وكما كانت حياته مليئة بالدراما، فقد جاء رحيله دراميا ومفجعا. ودعنا وهو في كامل نضجه وعطائه، وربما تكثف الحزن في داخله لينقض عليه فجأة ويخطفه في لمحة بصر. كان خبر وفاته صباح أمس مؤلما لكل من عرفه عن قرب، وعرف فيه نقاء الإنسان وصلابة الرجال، بكل ما في الرجولة من مروءة وشيم.. رحمك الله أيها الراحل الكبير، فمثلك من يخسره الناس إذا رحل.
مشاركة :