تبددت مؤخراً الآمال بقُرب انتهاء الأزمة والحرب في اليمن، بل إن هناك من بات يعتقد أن الأمر سيطول، وفقاً لحيثيات الوقائع الميدانية خلال الأسبوعين الأخيرين، فقد تجمد المسار السياسي باتجاه حل الأزمة، فيما راوح المسار العسكري بعموميته في مكانه، وبالتالي تأجلت عملياً معركة صنعاء المفترضة، غير أن التقدم الذي أحرزته القوات المشتركة وسيطرتها شبه الكلية، نهار الاثنين الماضي، على منطقة السد ومرتفع (تبة المصارية) في مأرب، يمكّن المسار العسكري من الاستمرار في مداه باتجاه المعارك الأخيرة. لعل ذلك يتسق مع التصريح الأخير لرئيس أركان الجيش اليمني اللواء محمد المقدشي وقوله إن معركة صنعاء وشيكة، وقوات التحالف والجيش اليمني يتقدمان بثبات في مأرب. في الناحية المقابلة ما زالت تطورات المسار السياسي، الذي تقوده الأمم المتحدة، بضغط من أمريكا وروسيا، تجري خلف الكواليس، ولم ترشح أي أنباء حيالها، من العواصم المعنية بالأزمة في اليمن، ما يعني أن لا اختراق تحقق في هذا المسار منذ الإعلان عن توجه وفد الحوثي وصالح إلى مسقط في 20 سبتمبر/أيلول المنصرم، إلا أن التصريح اللافت لوزير الخارجية في الحكومة الشرعية د. رياض ياسين، كشف عن الجانب السلبي في هذا المسار. ووفقاً للوزير فإن الحكومة اليمنية تواجه ضغوطاً دولية من جهات لم يسمها، من أجل الرضوخ للأمر الواقع والجلوس مع الحوثيين على طاولة الحوار من دون تنفيذ الميليشيات الانقلابية للقرارات الدولية، التي حملت السلاح وما زالت بوجه الشعب اليمني. وفي مثل هكذا موقف فإن المسار السياسي يتجه للأسف نحو نتيجة مخيبة للآمال، تصب في محصلتها النهائية لصالح الانقلابيين المتمردين على الشرعية في البلاد، لما لفرض تسوية قسرية في اليمن من مخاطر على مآل الدولة لاحقا. وعموماً سيمثل ذلك نقطة معيبة في سجل مجلس الأمن الدولي، الذي سيكون قد تنازل عن قراره بشأن حل الأزمة في اليمن، وحظي بإجماع دولي وهو الذي طالما طالب بتطبيق بنوده كاملة تحت ضغط الدول الكبرى في تحقيق تسوية تشمل قضايا الإقليم كله. ولأن لا أنباء صريحة ومعلنة، منذ آخر تصريح مبتسر للمبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، فإن الغموض يسود المسار السياسي الذي بُعث مجددا من خلال الدعوة إلى محادثات جديدة في مسقط، ما يضع هذا الجهد في مهب الريح ثانية. وحديث وزير الخارجية اليمني عن الضغوط الدولية يعني أن حكومته ترفض أي تسوية لا تقوم أساساً على قرار مجلس الأمن 2216، والتاريخ السياسي المعاصر في اليمن أثبت أن التسويات السياسية المبتسرة أو القسرية لم تحل أزمات البلاد جذرياً، وبالتالي تتفجر مجدداً. وبهذا الشأن يقول السياسي اليمني محمد يحيى الصبري: على الأرض البلد تهيأ منذ ستة أشهر للحرب ويخوضها عملياً، بالمقابل لدينا طرف في معادلة الحرب الميليشيات لا يؤمن لا بالاتفاقيات ولا يؤمن بالقانون ولا بالدستور، اذاً، فمع من سيكون الاتفاق، ولدينا خلال أربع سنوات ماضية، كم هائل من الاتفاقات والتسويات وقد انتهت! ومع ذلك فإن المسار العسكري يمضي في حسم الأزمة بالقوة، ومعركة مأرب التي انطلقت عملياً في منتصف سبتمبر/ أيلول حققت خلالها القوات المشتركة من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وقوات دول التحالف تقدماً ميدانياً ملحوظاً وخصوصاً باتجاه سد مأرب. أما في تعز فإن المشهد يبدو غامضاً لجهة مراوحة العمليات العسكرية في مرحلة اللا حسم، بعد أن كانت مؤشرات ميدانية عديدة فضلاً عن وعود قيادات سياسية وعسكرية سابقة، بقرب الحسم في المدينة لصالح المقاومة ووحدات الجيش الوطني هناك. ووفقاً للمعلومات الميدانية فإن المقاومة حققت تقدماً وسط المدينة وتبسط سيطرتها على مواقع كانت تحت سيطرة ميليشيات الحوثي وصالح، إلا أن الأخيرة لا تزال تحاصر المدينة وتتمركز عناصرها في مواقع تتيح لها ضرب المقاومة، كما في المحاولات الأخيرة لاستعادة قصر المخلوع صالح، فيما لا تزال تلك الميليشيات ترتكب المجازر بحق المدنيين، بقصفها العشوائي على الأحياء السكنية. يوم السبت الماضي كان القياديان في جماعة الحوثي محمد علي الحوثي وأبو علي الحاكم يتفقدان الجبهة في تعز وفقاً لإعلام الجماعة، في حين كانت ميليشياتهم قد تهيأت في المنطقة نفسها، لنصب صاروخ بالستي (سكود)، لضرب مدينة عدن، التي يتواجد فيها الرئيس عبد ربه منصور هادي، لولا أن غارة جوية دمرت الصاروخ وهو على مقطورة لنقله، حسب ما ورد من هناك. كما برزت في الأسبوعين الأخيرين، بوضوح ثغرات لافتة في بعض جبهات القتال، بفعل جيوب للميليشيات في مناطق مثل عقبة ثرة، انطلاقاً من بلدة مكيراس، التي تهدد مناطق محافظة أبين، وما تردد عن نصب منصات صواريخ بالستية في السوادية بمحافظة البيضاء. كما أن جيب للميليشيات في بلدة الشريجة، ما زال يهدد المحافظات الجنوبية كامتداد لتواجد الميليشيات في تعز، فيما لا يزال تواجد الميليشيات في بلدة بيحان خطراً لم يتم إزالته، التي منها انطلق صاروخ توشكا وضرب منطقة صافر في مأرب. هناك من يربط بين التحرك في المسارين العسكري والسياسي وحسابات ما بعد الحسم وموقف كافة الأطراف الداخلية والخارجية من ذلك، وهناك من يرجح أن الضغط العسكري، بما فيه ضربات طيران التحالف، تصب في مجرى المسار السياسي، ولهذا ليس في الأفق من حسم عسكري سريع للأزمة.. لكنه ماض في الطريق الصحيح، وكما هو مخطط له.. وصنعاء ستكون الهدف التالي. التطورات الأنفة الذكر لم تبد ذات ارتباط وثيق بعودة الرئيس هادي إلى عدن، ولا يعني ذلك تحجيماً لأثر عودة الرئيس الشرعي إلى وطنه، وفقاً لواحد من أهداف عاصفة الحزم، بل إن تواجده في العاصمة المؤقتة للبلاد أكمل حضور أركان الشرعية في اليمن، لذلك أعتبر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، مخاطباً هادي، إن استقراركم في بلدكم يعكس ما تحقق بحمد الله من نصر، وتمكن بعون الله القوات اليمنية الشرعية بمساندة المقاومة الشعبية الباسلة من سرعة تحرير أرجاء اليمن وتطهيرها من براثن الميليشيات الحوثية وأعوانهم ليعم الأمن والاستقرار ربوع اليمن السعيد رغم أنف الحاقدين وكيد الكائدين. واتساقاً مع ذلك فإن عودة الرئاسة والحكومة الشرعية إلى عدن، يلزمها المزيد من تكريس سلطاتها على الأرض، وهو ما يبدو بطيئاً، بالرغم من العون الإماراتي والسعودي في مجالي الإغاثة والأمن، فضلاً عن أن محافظة عدن لا تزال من دون محافظ، بعد استبعاد محافظها السابق نائف البكري وتعيينه وزيراً في الحكومة. إشكالية موقع محافظ عدن ليست هيّنة بالمرة، فالتعيين بهذا الموقع وبهذا التوقيت، سيمتد أثره سلباً أو إيجاباً على مستوى الجنوب واليمن عموماً، الأمر الذي يتطلب من الرئاسة اليمنية حرصاً شديداً عند اختيار الشخصية لهذا الموقع، يتضمن بالضرورة رسائل تطمين إلى كل الأطراف والقوى السياسية في البلاد، والدول الرئيسية المشاركة في عاصفة الحزم، فضلاً عن تعيين شخصية قوية وحاسمة لمواجهة ملفات شائكة في المحافظة وما جاورها، والتي باتت عاصمة لكل البلاد، وإن كانت مؤقتة.
مشاركة :