ككل منجزات التكنولوجيا، أدخل الإنترنت إلى دائرة النقمة وقد سبقه إلى ذلك الفاكس والهواتف الأرضية والمحمولة. رغم أن الهدف الحقيقي لهذه السلالة من المنجزات هو أن تكون نعمة للناس تختصر الوقت والجهد وتقدم المعلومة لمن يبحث عنها. ذات يوم لعبت الهواتف دوراً في تكريس ثقافة النميمة وأعقبها الفاكس الذي ارُتكب بواسطته من الأخطاء ما ألحق أذى إنسانياً وأخلاقياً وحتى سياسياً ببعض الناس! والآن يتولى الإنترنت المهمة، فمن خلاله تُبث شائعات ويعلن عن موت أشخاص وهم على قيد الحياة، ومنهم مرضى ما إن يسمعوا خبر رحيلهم حتى يفقدوا ما تبقى لهم من عافية ومناعة! حدث ذلك حتى الآن مع ساسة ورجال أعمال وفنانين ذوي شهرة واسعة، ومنهم من مات مرات عدة وهو آخر من يعلم، ثم اتسعت رقعة هذه النقمة لمن يستخدمونها على نحو سلبي فأصبح هناك من يتنبأون بزلازل ووفيات وليس لديهم من الخيال أو الذكاء ما يكفي لتصور حجم الأذى الذي يُلحقونه بالآخرين. لقد وصفت إحدى الفضائيات من يفعل ذلك بأنه قاتل، لأنه يثير الفزع لدى عائلات وأفراد لا ذنب لهم إلا كونهم على قدر من الشهرة في مجالاتهم. إن تحويل النعمة إلى نقمة سواء تعلق الأمر بالتكنولوجيا أو أي مجال إنساني في حياتنا أصبح مهنة من لا مهنة له. فالإنترنت استخدم لأغراض لم تخطر ببال من اخترعوه ومن رحبوا بهذا الاختراع، فهناك الآن جرائم إلكترونية ومخدرات رقمية، إضافة إلى الشائعات التي تتطاول على خصوصيات الناس. إن للتخلف قدرة عجيبة على قلب المعادلات كلها، فهو يحول الفائض إلى مديونيات، وما اخترع من أجل التسهيل للتعسير والإعاقة، ويبدو أن هناك في عالمنا بطالة من نوع جديد، تدفع ضحاياها إلى التَّلهي بغيرهم وانتهاك حياتهم. وللتخلف إفرازات منها ما يطفو على السطح فنراه بالعين المجردة ومنها ما ينخر الأحشاء ومن محاصيله ما يتم تداوله الآن عن دول ومؤسسات وأفراد وكأن هؤلاء المستغرقين في البطالة لا يرحمون الناس ولا يريدون لرحمة الله أن تشملهم!
مشاركة :