خلق الله الإنسان وجعل ليله سباتاً ونهاره معاشاً، وجعل اختلاف الليل والنهار مسيّراً لخير الإنسان وتنظيم حياته على هذه البسيطة، وكل شيء في هذا الكون خلقه الله بقدر. وعلى الرغم من ذلك لا يزال البعض يجهل حقيقة المنهج الشرعي في خطورة السهر، وأثره على صحة الإنسان. «الجزيرة» ناقشت قضية السهر وقلة النوم مع مختصين في الشريعة والطب، وتحدثا عن أبرز المخاطر، وكيفية إصلاح الخلل الذي وقع فيه الناس، وبالذات الشباب والفتيات مع بيان المحاذير الشرعية، وأثره على سلامتهم. خطوات مشبوهة استهل الدكتور صالح بن عبد العزيز التويجري، أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة القصيم حديثه بقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أجل مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، ويقول سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، وصلى الله على من دعا لأمته حين قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، مشيراً إلى أن الحديث عن أيِّ ظاهرة يجب توزيع المشاركة في الخطأ والعمل، وإلا فما ذنب الشابّ إذا وجد نفسه محاطاً ببرنامج لا يمكن اختراقه من التنظيم والعادات والتقاليد التي أعطيت قداسة تمنع مراجعتها، وهي المسؤولة عن كثير من أمراض المجتمع، وإذا كان لكل شيء بوادر وبواكير ومظاهر وعلاقات، فهل تكون نقلة مجتمعية في أن يكون السهر أحد الخطوات المشبوهة والحركات المريبة التي يُسأل عنها صاحبها، وشبهة يؤاخذ بها، إذ لم نر من يتحرك ليلاً إلا من تدور حوله علامات الاستفهام، وشتان بين من هذا شأنه ومن قال فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله». أساليب التصدي ويؤكد الدكتور صالح التويجري أنه عند تعاظم المعاناة وعمّ الضرر يتأكد توافر الجهود في مواجهة الأزمة، ومحاصرة براعم الامتداد لتضييق دوائر الخطر، فإلى وسائل المواجهة وأساليب التصدِّي. الأسرة أولاً: هي حجر الزاوية في البناء الاجتماعي؛ لأنها نقطة الارتكاز التي تقوم عليها بقية مؤسسات المجتمع. ولها دور بارز في التربية والحضانة وفي المتابعة والرقابة، فلا بد من التوافق الأسري والبعد عن المنازعات والحرمان العاطفي، وتقوية الوازع الديني، وتبادل الأدوار بين الأب والأم والإخوة، إذ الأسرة هي الخلية الأولى التي ينتمي إليها الإنسان، وهي التي تشكِّل في الغالب إطار التنشئة وهي مع ذلك ليست بمعزل عن المؤسسات الاجتماعية الأخرى، فهي قويةُ الصلة والتفاعل معها. بيد أن الأسرة إذا كانت على مستوى تعليمي جيد، وارتباط بالقيم الأسرية والتعاليم الدينية والدخل الاقتصادي بقدر ما يلبِّي الحاجات الأساسية كانت أقرب إلى تقويم الدور والنموذج في الوقاية من الانحراف الفكري والخلقي، وقد تنجح الأسرة في تقديم دور رائد ولكن ماذا عن الأجهزة الأخرى فهي شريكة في الهم. إذ هناك الإعلام بوسائله وقنواته المقننة والمنفلتة، وله دور فاعل في اتجاهين، الأول وهو الأخطر. فهل يكف عن البث لساعات متأخرة من الليل؛ بل واختيارُ الفقرات والبرامج ذات الجذب والإثارة، كمسلسلات الحب والغرام والرقص والغناء، والنكات والطرائف والألغاز والمقابلات المثيرة فهو بهذا شارك في صناعة كارثة السهر. أما الاتجاه الثاني فمطلوب من وسائل الإعلام اعتمادُ معالجة ظاهر السهر بتناول هذه المشكلة في لقاءات ومقابلات وتحليلات واستبانات تتضمن التشخيص للداء ووصف الدواء تحذيراً ومشاركة في رسم الحلول خاصة في أوقات الذروة وصحوة المشاهد وانفعاله، وذلك أن الإعلام يضطلع بمهمة السلب والإيجاب يمنعُ ما فيه أذى وإرباك لجداول المجتمع ويطرحُ معالجات بأساليبه التي لا تنقصها جاذبية، فهو المحرك الفعلي لعدد من الظواهر، وهو المسؤول عن المد فيها والجزر. وإذا كان ذاك شأن المؤسسات النظامية ومسؤوليتها فإن القطاع الخاص ومسؤولية المواطن هي الأخرى ضليعة الدور والمسؤولية، فماذا عن محلات التسوّق التي تفتح أبوابها وتغري بارتيادها حتى ساعة متأخرة من الليل، وفي أماكن مهجورة الحركة أو لامعة الأضواء. ومثل ذلك يقال في مواقع الترفيه والحدائق والمنتزهات والشواطئ والملاعب والصالات المفتوحة والمغلقة. ولك أن تضم المطاعم والتوصيل السريع والأكلات على قارعة الطريق، فهذه منابر تنادي بالسهر وتحميه وتحرسه وتؤوي فراخه، وبعد أن تُلقينا هذه القاذفات في اليم تتركنا نعاني من تتابع عثرات السهر، فلا عود إلا بعد إرهاق نفوسٍ قد سحب منها الرصيد العاطفي حين بُدِّد في مجالات متنوعة، وإلى بيوت تشكو من الهجر ولوعة الفراق، حين تحول دور البيوت إلى كهوف نوم وسبات، فلم تعد ملتقى الأسرة ومعمل الإنتاج. واختتم الدكتور التويجري حديثه قائلاً: السهر عرض لمرض اجتماعي يوجب أن تتفق الجهات العلمية والاجتماعية والدعوية والأمنية على محاصرته؛ لأنه يهدِّد أمن البلد ودينه وخلقه، فالمواجهة مسؤولية الجميع، أما الاتكالية والاعتماد على أجهزة دون أخرى فهذه سلبية مرفوضة؛ لأن السهر وكر تفريغ كل شرٍّ، بداية من التدخين والمخدرات ومشاهدة مسلسلات الجريمة والعنف الجنسي والسرقات وأخيراً ترك الصلاة، والجريمة إنما تنتعش عند غياب الرادع الديني والتشتت الأسري، أما حين يصلح المناخ ويطيب فسوف يسلم المجتمع من التشوهات في السلوك والفكر والمعتقد، ويبقى الشاذ في دائرة محصورة لا يخلو منه زمن. خطورة قلة النوم ويوضح الدكتور فواز بن عبد الرحمن الحوزاني أخصائي الأمراض الباطنية بمستشفى الحمادي بالرياض أنه أجريت عدة دراسات لتحديد تأثيرات قلة النوم على الإنسان وتبين أن قلة النوم تسبب زيادة خطورة الأمراض القلبية والوعائية، خاصة عند الناس الذين لديهم ارتفاع في معدل ضغط الدم، وإحدى هذه الدراسات كانت في أميركا، ونشرتها مجلة أميركية تسمى مجلة «ارتفاع الضغط»، حيث أجريت على 20 رجلا و16 امرأة ليسوا مصابين بارتفاع الضغط أو أي مرض قلبي وعائي، وجرت مراقبة هؤلاء الأشخاص عبر شاشات خاصة مع حرمانهم من النوم خلال ساعات الليل، وقد أظهرت النتائج وجود زيادة ملحوظة في معدل ضغط الدم ومعدل ضربات القلب خلال النهار لدى هؤلاء الأشخاص، ومن هنا استخلص العلماء نتيجة مفادها أن الحرمان من النوم يسبب الإصابة بمشكلات خطيرة في مراحل لاحقة من الحياة بسبب زيادة معدل ضغط الدم الذي يسبب توتراً في شرايين الجسم عامة، مما يقود إلى الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية والفشل الكلوي، ومن هنا أوصى العلماء بأن يقضي الإنسان حوالي 8 ساعات على الأقل في النوم كل ليلة وذلك لتجنب حالات القلق والعصبية التي قد تسببها قلة الراحة والحرمان من النوم، وفي دراسة فرنسية تبين أن 28 ـ 41 في المئة من الفرنسيين يعانون اضطراباً في النوم، وأوصت الدراسة بضرورة المتابعة الطبية وتناول الأدوية الحديثة المساعدة على النوم، وهناك نسبة لابأس بها من الأشخاص الذين يحتاجون الاستعانة بالأدوية لتحقيق نوم هادئ مريح لمدة كافية. ويذكر الدكتور فواز الحوزاني بأن هناك أسباباً عديدة لقلة النوم أو ما يسمى اضطراب النوم، ومن أهمها: الاضطرابات النفسية، مثل : الهوس والاكتئاب والقلق وحالة العتاهة (كبر السن)، كما أن سوء استعمال الأدوية له دور كبير في حدوث قلة النوم (مثل: الفاليوم لفترة طويلة ثم الانقطاع عنه فجأة)، وتناول الكحول والانقطاع عنه، وهناك بعض الأدوية المنبهة مثل: الكافيين والامفيتامين (حبوب الكابتاغون)، وهناك الكثير من الأمراض العضوية مثل : حالات الألم عامة كألم الأسنان، وهناك التبول الليلي وأمراض البروستات وأمراض سوء التغذية، كما أن هناك أمراضاً خاصة تسبب اضطراب النوم مثل: نوبات توقف النفس خلال النوم تجعل المريض يقلق ليلاً وينام نهاراً، كما أن حياتنا العصرية بما فيها من ضغوطات اقتصادية ومادية تزيد حالة القلق والأرق لدى الناس، ومن الناحية الاجتماعية فإن قلة النوم لها تأثيرات مباشرة على الحياة اليومية للإنسان، حيث يبتلى الإنسان بالنوم الخفي خلال النهار لتعويض الحرمان الحاصل من النوم خلال الليل، وهذا يسبب عدم التركيز في العمل أو في الدراسة مع زيادة حالة النرفزة والعصبية وعدم الانتباه خلال قيادة السيارة، مما يسبب المزيد من الحوادث المؤلمة، وأخيراً نقول إذا كانت قلة النوم تسبب الأمراض القلبية الوعائية وتقصر عمر الإنسان فإن النوم الجيد لساعات كافية خلال الليل قد يطيل عمر الإنسان.
مشاركة :