صراع الأنا المثقفة في المسرح «نص الناس والحبال» لفهد ردة الحارثي أنموذجاً

  • 5/22/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كثيراً ما جالت ببالي - وأنا أقرأ نصوص فهد ردة الحارثي المسرحية - مقولة: (إن النصوص تشبه بالضرورة منتجيها وتحمل كثيراً من سماتهم وتتخلق بالكثير من صفاتهم)، ذلك لأن نصوصه تحتشد بخبرات مسرحية وقدرات لغوية لافتة تتمد خارج النص المسرحي وبنيته التركيبية والتقنية فتحوله نصاً مرئياً يتأون ضمن مدارات جمالية أوسع وتتحول النصوص معه إلى ما يشبه مختبرا يقيس قدراته ككاتب وثقافتنا كمتلقين، وهذا ما يفسر منسوب الجدل والسجال العالي وانحراف الشكل العام لنصوصه عن اللحمة العضوية المعتادة للكتابة المسرحية وبناء (الحارثي) شكلاً مغايراً يبتعد بمقدار ظاهر عن الشكل التقليدي للنص المسرحي الذي يبدأ بسرد الشخصيات ثم الحوارات والجدال والصراع وينتهي بمشهد ختامي. في نص (الناس والحبال) الذي يناقش القيود التي تفرضها الحبال والعلاقة الشائكة بين الناس والحبال (سواءً كانت الحبال الحقيقية أم حبال الوهم أم قيود الأشياء التي تحيط بنا) ولتحقيق هذه الغاية ولمناقشة هذه القضايا بمدلولية وفي سياق شديد الوضوح يذهب نحو تدبير حوارات تنفتح على السجال كمعادل موضوعي يتطلبه المسرح ليعكس من خلاله التعدد والتنوع لذلك لا تنطرح الحداثة في الكتابة المسرحية كموضوع يتم التجادل بشأنه داخل النص المسرحي بل تتحول نسقاً يتم بموجبه تركيب نص (الناس والحبال) لاختراق الواقع عبر صناعة ما يشبه الاستراحة يسميها في العمل (راحة 1) و(راحة 2) وهكذا تفصل هذه الاستراحة بين اللوحات ويتم خلالها مناقشة الأداء والأدوار في اللوحة السابقة في محاولة للتحرر من قيود النص نفسه. هنا ملمح إبداعي وتجاذب حاد بين الكتابة كحقل إبداعي وبين الأنا المثقفة التي تحاول إثبات قدراتها العالية مسرحياً وتبحث عن التفوق على المشهد دون أن تحسم النتيجة لصالح الكاتب أم المجال ولأن القضية التي يناقشها النص هي (القيود) وكيف نهرب منها ونتخفف منها فإن النص برمته لا ينحرف عن الشروط الموضوعية التي استولدته فيذهب فيما يشبه (متتالية هروب من الوقوع في قيد الكتابة المعتادة) عبر استحداث شكل داخل الشكل. هذا الشكل الذي يصارع الكتابة نفسها ويحاول خلق حالة من عدم الركون للشكل السائد والهروب من الشكل الكتابي المعتاد عبر إعادة بناء مفاصل النص وتشكيله في قوالب جديدة بشكل يجعل من النص مساحة ابتكار، وهذا ما يفسر كثافة تدخلات الكاتب الصريحة وكثرة الحواشي التفسيرية التي تأخذ مساحة كبيرة من النص قبل الدخول في الحوارات والمشاهد وبعدها كل هذا سعياً نحو الحيلولة دون تحول النص إلى خطاب ملغز غير مفهوم وحتى يبدو كفعل كتابي وثيق الصلة بالفكرة الرئيسة (الهروب من القيد) وعلى تماس مع التجربة الفردية للكاتب (كسلطة صانعة للنص). هذا النوع من النصوص الذي يحاول توظيف المعرفة والخبرة المسرحية في نص مكتوب هدفه مناقشة الواقع بتحويل النص المسرحي سريراً للتداعي الحر ويجعل خشبة المسرح مصحة تعرض التأملات الإنسانية والاجتماعية وتحيل النصوص شكلاً إنسانياً كصورة للجسد البشري فتصنع لذة النص كما يقرر (رولان بارت). فهد ردة الحارثي

مشاركة :